في خريف عام ١٩٦٩ مالت كفة القوة والانتصار لصالح ثورة أيلول نتيجة الهزائم المتتالية للقوات الحكومية في الجيش وقوات المغاوير والعملاء (جاش)، في الحملات العسكرية التي غطت مناطق الثورة بشكل واسع، بدعم من الدبابات والمدافع والطائرات والأسلحة المتطورة. دفعت قيادة الثورة إلى وضع خطة تفصيلية لمهاجمة جبهة مركة وطرد الجيش والعملاء من المنطقة الذي تكون من فوجين و كما ضم من العملاء (جاش) ضعف الفوجين.
وضم البشمركة الذين كلفتهم قيادة الثورة للمشاركة في هذا الهجوم جزءًا من قوة رزكاري وجزءًا من قوة كاوا وعدة وحدات من قوة هلكورد. وكان يقودهم القادة فاخر ميركسوري وحسو ميرخان وعبدالله صديق. وكان قادة ساحة المعركة هم عزالدين قرة محمد ومام وسو دزيي وعريف درويش و فقي حمدامين.
٦ تشرين الثاني (نوفمبر) ١٩٦٩ كان تاريخ الهجوم، وشنت البيشمركة الهجوم في الزمان والمكان المحددين كما هو مخطط. كانوا يتقدمون لحظة بلحظة منذ الساعة الأولى. يقول مسعود بارزاني في كتابه البارزاني والحركة التحررالكوردية عن ملحمة البيشمركة هذه: أبلغتني دائرة الاتصال في الأجهزة الأمنية أن الفوضى والاضطراب امتد إلى صفوف العدو وأن وحدات الجيش تركت قادتها وتمردت وهربت. وانضم مقر الفوجين للمتمردين، وقتل قائد سرية. وانهارت معنويات العملاء (جاش) و لم يبق للعدو شيء سوى قمة جبل أسوس. و بمجرد الاستيلاء على هذه القمة ، سيكتمل النصر وسيترك العدو مركة بشكل كامل.
وبعد ساعة استولت قوات البيشمركة على قمة أسوس وهربت القوات الحكومية إلى سرسيان واستغرقت عملية البيشمركة في المنطقة ثلاثة أيام سقطت خلالها المنطقة بأكملها في أيدي قوات البيشمركة. نتيجة لعملية البيشمركة هذه، تكبدت القوات الحكومية خسائر فادحة بينهم أكثر من ٢٣٠ قتيلاً بينهم قائد العملاء (جاش) يُدعى علي عباس آغا، وسقطت كمية كبيرة من الأسلحة والذخائر والمعدات الحربي والمواد الغذائية في أيدي البشمركة.
نتج عن انتصار البيشمركة في ملحمة مركة عدة نتائج:
١. كان بعض سكان المنطقة، ومنهم بعض نبلاء مير ئاودليان، ينوون الانضمام إلى الحكومة في ظل انتصارات الجيش السابقة. لكن انتصار البيشمركة وهزيمة القوات الحكومية غيّر رأيهم وتراجعوا عن موقفهم باستثناء القليل.
٢. قام عدد كبير من قوى المجموعة التابعة للمكتب السياسي القديم بتغيير مواقفهم وتركوا مجموعتهم وانضموا إلى الثورة.
٣ - انتقلت قوات الجيش العراقي من الهجوم إلى الدفاع، ولم تتوقف عند هذا الحد، بل فكرت في إعادة النظر في سياستها العدوانية والتخلي عن الجهود العسكرية القمعية والتفكير في حل سلمي تفاوضي مع ثورة الكوردية. لأن ما خططوا له لم يتحقق من خلال الغزو العسكري.
توصل البعثيون إلى نتيجة مفادها أنهم غير قادرين على إخماد الثورة الكوردية، كما يتضح من تصريح لوزير الدفاع العراقي آنذاك حردان تكريتي الذي يقول: "في الواقع، تمكن الأكراد من الإطاحة بالحكومة لمدة نصف قرن بمقاومتهم البطولية لدرجة أننا كنا نخشى أنه إذا استمرت الحرب، فإن بغداد ستقع في أيدي البارزاني. ويقول أيضا: كان عدد ضحايا الجيش العراقي في غضون شهر واحد قبل اتفاقية ١١ آذار ١٩٧٠، ٣٦٢ قتيل وجريح أسبوعياً. لذلك، لم تستطع الحكومة المركزية المقاومة وطالبت بوقف إطلاق النار والمفاوضات مع قيادة الثورة، مما أدى إلى اتفاق ١١ آذار.
المصادر:
١- مسعود بارزانی، بارزانی و بزوتنەوەى ڕزگاریخوازی کورد، بەرگی سێیەم، بەشی دووەم، شۆڕسی ئەیلوول ١٩٦١-١٩٧٥، چاپى یەکەم، هەولێر - ٢٠٠٤.
٢- ئارى کەریم، چەند لاپەڕەیەکى زیندوو لە شۆڕشی ئەیلوولدا، چاپخانەى خەبات، دهۆک - ١٩٩٩.
٣- سهنگهر ئيبراهيم خۆشناو، ڕووداوه سهربازيهكانى شۆڕشى ئهيلوول ١٩٧٠-١٩٧٥، چاپى يهكهم، ههولێر- ٢٠٢٢.
٤- خۆشەوى عەلى کانیەلنجى، بیرەوەریەکانى عەزیز قازى حەمەد سورچى، چاپخانەى دانیشفەر، هەولێر- ٢٠٢٣.
٥- کاروان جوهر محمد، ئیدریس بارزانى ١٩٤٤- ١٩٨٧ ژیان و ڕۆلى سیاسیى و سەربازى لە بزوتنەوەى ڕزگاریخوازى کورددا، چاپخانەى هێڤی، هەولێر - ٢٠١٩.