ملحمة حاج عمران ١٩٨٠

وقعت الملحمة في ١٥ تشرين الثاني ١٩٨٠ في منطقة حاج عمران، عندما اندلعت الحرب العراقية-الأيرانية حيث ارادت قيادة الثورة اغتنام الفرصة لنقل نشاطات الثورة الى حدود حاج عمران في حال تدهور الوضع فيها والأستيلاء على تلك المنطقة، ولكن لم يكن وضع الجيش العراقي على هذا الشكل كما جاءت في المعلومات التي وصلت الى الپيشمرگة، بل كانت تختلف من ناحية القوة، اضافة الى ذلك لم تكن اجواء المنطقة مشجعة لقيام الپيشمرگة بتحقيق اهدافه.


تقع حاجي عمران على بعد ١٨٣ كم شمال شرق أربيل تابعة لقضاء جومان على حدود إقليم كوردستان وجمهورية ايران الإسلامية، وقد جعل الموقع الجغرافي المنطقة ان تشهد العديد من الأحداث التاريخية الهامة وخاصة الدور البارز الذي لعبته في ثورات كوردستان، وكان أبرزها اندلاع ثورة ايلول (١٩٦١-١٩٧٥) بقيادة ملا مصطفى بارزاني، وكذلك في اندلاع ثورة گولان، حيث كان أول شهيد للثورة هو السيد عبد الله في ٢٦ كولان ١٩٧٦، كما حدثت في المنطقة العديد من المعارك والملاحم، وفي عام ١٩٨٠حتى ١٩٨٨ تم تدمير حاج عمران وقراها لمدة ثلاث سنوات كلياً، ولكن أعيد اعمار المنطقة بالكامل في ربيع عام ١٩٩١ بسبب الأنتفاضة الكبيرة للشعب الكوردي.

بعد اندلاع ثورة گولان، كان مقر المكتب السياسي للحزب الديمقراطي الكوردستاني في قرية كوبر في خانى (بيرانشهر) شرقي كوردستان، ويبدو ان مدفعية الجيش العراقي قد ازعجت قوات الپيشمرگة في تلك الفترة من خلال القصف العشوائي، لذا قررت قيادة الثورة القيام بعمل ما من شأنه ابعاد قصف المدفعية عن المنطقة، وقد تم تكليف ٦٠ من افراد الپيشمرگة بقيادة زكري يحيى خان وياسين بيروخي وأحمد كشخه كلالي وحسن آغا زيويي وعمر عثمان لتنفيذ العملية.

وتسلقت القوة من قرية حجي برايم وصعدت قنديل الصغير وتوجهت إلى جبل كودو، وكانت مواقعها تسيطر على حجي عمران ورايات وجومان والمناطق المحيطة بها، ومن هناك ابلغت قوات الپيشمرگة المدفعية الإيرانية ببدء قصف كتيبة مدفعية النظام العراقي وقاعدتها العسكرية في حجي عمران، وبعد تحديد الموقع، تعرضت ثكنات الجيش العراقي ومدفعيته للقصف المكثف لمدة يومين أو ثلاثة أيام، وبسبب القصف المدفعي لن تتمكن قوات الجيش العراقي من الصمود، حيث منيت بخسائر فادحة، ما ادى ذلك الى التراجع والأبتعاد عن المنطقة.

وعندما اقتنعت قيادة الثورة بأن الحرب بين العراق وإيران تدخل مرحلة صعبة، لذا كان عليها أن تستغل هذه الفرصة، لذا فقد عقدت اجتماعاً مع القادة العسكريين في الثورة، وجرى فيه بحث اوضاع الحرب بين الدولتين ومناقشتها بالتفصيل، ويبدو انه وفق المعلومات التي تم الحصول عليها فإن المناطق الحدودية اخليت من القوات، لذا كان من الأفضل انْ تسيطر الثورة على تلك المناطق، ولتحقيق هذه الفكرة، فقد قررت قيادة الثورة شن هجوم على حاج عمران والغاية منه تحريرها، ولكن واجه القيادة عائق واحد وهو ان مرتفعات المنطقة كانت في تلك الفترة تحت سيطرة الحزب الديمقراطي الكوردستاني الأيراني.

في ليلة ١٧/١٨ تشرين الأول١٩٨٠، هاجمت قوات الپيشمرگة التابعة للحزب الديمقراطي الكوردستاني الايراني بدعم من المدفعية العراقية قاعدة ثكنة خانه العسكرية (بيرانشهر)، وقصفتها بكثافة، وبعد الهجوم قامت قوات الحزب الديمقراطي الكوردستاني الأيراني بإخلاء حاجي عمران، وأرسلت قيادة الثورة قوات الپيشمرگة إلى مرتفعات المنطقة وطلبت من الحكومة الإيرانية مساعدتهم في الهجوم، ورغم موافقتهم، إلا أن المساعدات لم تكن كما كانت متوقعة، وبعد لقاء رئيس الحزب الديمقراطي الكوردستاني مسعود بارزاني مع مسؤولي الپيشمرگة، حدد لهم مهام الهجوم على النحو التالي:

- تم تكليف علی خلیل و صبرى نيرویی و علي شعبان و نجم الدین گورونى لوادي اينة ومران لممارسة الضغط على طريق جومان – حاج اومران بقيادة علي خليل مسؤول المحور.

- مولازم علي و نزلت قوات الفرع الثاني من جهة کوندژور الى طريق رایات.

- حمید أفندي و العریف یاسین والفرع الرابع وتحسین نيرویی وعبدالرحمان طه الى وادي سيبر من شرقي حاج عمران

- وتمت اناطة مسؤولية شيورش الى حسو ميرخان ژاژوکي، وقوات الفرع الثاني الى رسول فقي وعبدالله قادو وفيزو سليم خان وملا رسول الى طريق حاج عمران للمرور فيه، وبقي كل من حاجى بيروخي و رشید إیسومرى في قمترە كقوة احتياط، وكان كل من د. روژ نوري شاويس و الرئيس عبدالله و آزاد برواري و فتاح آغا يشرفون ميدانياً وقيادياً على المعركة.

 وفي ١١ تشرين الثاني ١٩٨٠، اكتملت كافة المور المتعلقة بالهجوم وغادرت كل قوة إلى مكانها المخصص لها، وشملت المساعدات الإيرانية لدعم الحرب قصف قواعد الجيش العراقي وتقديم المساعدة اللوجستية ونقل الشهداء والجرحى بالمروحيات، كما وعدت إيران بدعم الپيشمرگة بطائرات حربية في حال وصول مروحيات الجيش العراقي، رغم أنها وعدت بذلك ولكن لم يكن كما يرام، ورغم أن وضع القوات الحكومية كان أقوى مما فهمته الپيشمرگة، ولكن وفق المعلومات التي وصلتها، فأن العائق الرئيس الوحيد كان الثلج والبرد.

بدأ الهجوم في ١٥ تشرين الثاني ١٩٨٠، في البداية قصفت المدفعية الإيرانية المناطق التي تقوم الپيشمرگة برصدها، لكنها لم تكن على مستوى التوقعات، حيث كان ذات مرة على وشك انْ تصيب مدافعها قوات الپيشمرگة على جبل شيورش، وقد استولت قوات الپيشمرگة على ثلاثة مواقع مهمة في محور سيبر، وتم اسر خمسة جنود، ولكنها لقي صعوبات في المرتفعات بسبب الثلوج والعواصف.

في البداية، كان الهجوم ناجحاً للغاية، حيث سيطرت قوات الپيشمرگة في حاج عمران على مواقع قريبة من المسجد، وتركت جثث العديد من الجنود العراقيين في ساحة المعركة، ولكن هدأت الحملة  بعد أنباء استشهاد فتاح آغا وعدد من پيشمرگة قوات حاجي بيروخي بسبب القصف المدفعي.

واستمرت هذه الملحمة ٤٨ ساعة وسقطت أماكن كثيرة في أيدي الپيشمرگة، لكن تقرر الانسحاب بسبب خطورة الثلوج التي أغلقت الطريق وكان من الصعوبة بمكان ان يقاوم الپيشمرگة بسبب البرد القارص، اضافة الى ذلك كانت هناك قوة كبيرة للنظام في ديانا على أهبة الأستعداد لمهاجمة قوات الپيشمرگة،  كانت خسائر الجيش العراقي في المعركة سقوط أكثر من ٧٠ جندياً بين قتيل وجريح، وكذلك أسر خمسة آخرين  وحصول  قوات الپيشمرگة على كميات كبيرة من الأسلحة والذخائر.

 وبعد قرار وقف الهجوم، انسحبت قوات الپيشمرگة وعادت قوات المغاوير التابعة للجيش العراقي إلى مواقعها السابقة، وبقيت قوات الپيشمرگة لمدة شهر في قرية تمرجيان داخل اراضي شرق كوردستان، ولكن كانت تصعد مرتفعات المنطقة على شكل دوريات.

كانت خسائر قوات الپيشمرگة في هذه المعركة ١٤ شهيداً و٢٦ جريحاً، كان الكثير منهم بسبب القصف المدفعي العنيف للجيش العراقي، وكما جاء ذكره في  كتاب بارزاني وحركة التحرر الكوردستانية، فإن وضع القوات الحكومية العراقية كان أقوى مما كانت تتصوره قوات الپيشمرگة وفق المعلومات التي كانت قد حصلت عليها، هذا من جهة، ومن جهة اخرى فإن برودة الموسم حالت دون سيطرة الپيشمرگة على حاج عمران بشكل كامل وتحريرها والبقاء فيها نهائياً وخاصة المرتفعات.


المصادر:

١- عومەر عوسمان، ژیانى کوردیک، بەرگى یەکەم و دووەم، چاپە دووم، (چاپخانەى موکریان- هەولێر-٢٠٠٨).

٢- مەسعود بارزانى، بارزانى و بزوتنەەى ڕزگاریخوازى کورد، بەرگى چوارەم ١٩٧٥- ١٩٩٠ شۆرشى گوڵان بەشى دووەم چاپى یەکەم، (چاپخانەى ڕوکسانا- ٢٠٢١).

٣- غازى عادل گەردى، پێشمەرگەیەک لە خزمەت ڕێبازى بارزانیدا حەجى بیڕۆخى، بەرگى دووەم،  چاپى دووەم، (تورکیا- ٢٠٢١).

٤- حاجى میرخان دۆلەمەرى، گەڕان بەدواى دادپەروەریدا، بەرگى دووەم، چاپى دووەم، (کوردستان- ٢٠٢١).


مقالات ذات صلة

ملحمة خواکورک

في الفترة من ١٩ تموز إلى ٥ ايلول ١٩٨٨، وقعت اشتباكات كبيرة وواسعة النطاق بين قوات الپیشمرگة وجيش النظام البعثي في منطقة خواكورك التابعة لمنطقة برادوست، حيث شن الجيش العراقي هجوماً واسعاً في المثلث الحدودي (العراق وإيران وتركيا) للسيطرة على المناطق الخاضعة لسيطرة الثورة. وخلال ٤٥ يوماً من القتال والهجمات، هُزمت القوات المسلحة العراقية على يد قوات الپیشمرگة وتكبدت خسائر فادحة من الارواح والمعدات، وفي ٥ ايلول ١٩٨٨ ولعدة اسباب...

مزيد من المعلومات

ملحمة جبل سفين نيسان ١٩٧٤

شنت الحكومة العراقية في حزيران ١٩٧٤ هجوماً على جبل سفين، ورغم ان الپيشمرگة كانوا متحصنين في الخطوط الدفاعية، ولكن مواصلة هجمات الحكومة وتسليحها الكبير و الإرهاق الذي كانت تعانيه قوات الپيشمرگة حال دون مواصلة مقاومتها في هذا الجبل، فقرر قادة الپيشمرگة في ذلك المحور من القتال الانسحاب إلى كونفلوسة خلف جبل هورى، حيث أقاموا خطاً دفاعیاً حتى نكسة الثورة بقي حتى ربيع عام 1975.

مزيد من المعلومات

ملحمة شارزور ١٩٨٢

دارت الملحمة في ٣١ آیار ١٩٨٢ في منطقة شارزور، بمشاركة قوات البيشمركة من الأحزاب الكوردستانیة في جبهة جود، مثل حزب الديمقراطي الكوردستاني والحزب الاشتراكي والحزب الشيوعي، وقُتل خلال هذه الملحمة العشرات من الجنود والمرتزقة (الجحوش)، واستشهاد اربعة من البيشمركة، ثم عادت القوات الحكومية الى معسكر سيد صادق.

مزيد من المعلومات

ملحمة گاره‌ ١٩٨٢

دارت احداث هذه الملحمة في ١٠ كانون الأول ١٩٨٢ في سياني گاره‌ وبعمق ٧٠ كيلومتراً داخل المنطقة التي كانت تسيطر عليها حكومة البعث، عندما هاجمت قوات البيشمركة قواعد ومقرات قوة المغاوير والمسلحين المرتزقة (الجحوش) حيث تكبدت القوات الحكومية في غضون ثلاثة ايام وليال من المعركة خسائر فادحة في صفوفها، وكان لهذه المعركة صدى كبير على صعيد المنطقة.

مزيد من المعلومات

هجوم الحكومة العراقية على لجنة محلية زاخو ١٩٨٦

دارت هذه المعركة في تشرين الثاني ١٩٨٦ في منطقة زاخو التابعة لمنطقة بادينان، عندما هاجم الجيش ومسلحو الحكومة العراقية مسنوداً بالمدفعية والطائرات الحربية مقرات ومواقع بيشمركة لجنة محلية زاخو، بهدف قمع صوت الثورة.، ولكن تمكنت قوات البيشمركة افشال الهجوم وصد تقدم المسلحين المرتزقة وابعادهم عن المنطقة.

مزيد من المعلومات