لقد حاول نظام البعث بكل الطرق البقاء في السلطة وإزالة العقبات والمخاطر التي واجهته، واستخدم كل خطة فعّالة ومفيدة، ومن الواضح أن المناطق الخاضعة لسيطرة الثورة كانت مواقع لقواعد ومقرات الپيشمرگة، وكات تشكّل دوماً تهديداً كبيراً لمصالح النظام البعثي، لذلك فقد لجأ إلى استخدام كل الوسائل المتاحة له، وكانت فجأة تتعرض للتهديد والضغط من قبل قواته العسكرية، وكانت تتم شن هجمات برية وجوية ضدها بهدف تطهيرها وتدمير قرى كوردستان.
في آب ١٩٨٤، شن جيش النظام هجوماً واسعاً على المناطق الخاضعة لسيطرة الثورة في زاخو بمنطقة بهدينان، مستهدفاً مقر كل من لجنة محلية دهوك وزاخو، من اجل ايقاف نشاطات الپيشمرگة وكتم صوت الثورة في المنطقة، وشارك في الهجوم آلاف الجنود والمرتزقة بقيادة أرشد زيباري وجعفر مصطفى، مدعومين بالدبابات والمدفعية والمركبات المدرعة والراجيمات والمروحيات.
بدأ الهجوم في صبيحة يوم ٢٤ /٨/١٩٨٤ من ثلاثة محاور:
الأول: محور بابوخکى و گلنازکى
الثاني: محور زيوکا عبوى و ناڤشکى و أوسمانا
الثالث: محورليفى على مقر لجنة محلية زاخو في مضيق هارينا.
تم توزيع قوات الپيشمرگة على المحاور حسب هجمات القوات الحكومية، وبسبب تخندق قوات الپيشمرگة لمنظمة الشهيد شهياز صالح ومنظمة هفال صادق گلنازکى في محور بابوخكى و گلنازکى، تم اناطة مهمة محور زيوكا عبوي و ناڤشکى و أوسمانا بقوات پيشمرگة منظمة رنجبران وخالد کوچر والشهيد محمد حمدي ومجموعة من قوات المقاومة الشعبية، وفي تلك الفترة كانت قوات الپيشمرگة منظمة ضمن التنظيم الحزبي على شكل فروع ومحليات، وكان فتاح گولي مسؤولاً للجنة محلية دهوك يشرف على قوات الپيشمرگة في تلك المواجهة، وتم تشكيل قوة مشتركة أخرى من پيشمرگة الحزب الديمقراطي الكوردستاني ورهط من الحزب الشيوعي بقيادة محمد مراد كقوة طوارىء لدعم قوات الپيشمرگة المخصصة للجبهة التي تقدمت منها القوات الحكومية، وتمركزت هذه القوة فوق قرية زيوكا عبوي بين الجبهتين.
في ساعات الصباح الباكر شنت قوات حكومة البعث هجوماً على مواقع الپيشمرگة من كافة المحاور، تصدت لها قوات الپيشمرگة في المنطقة المحددة، ودارت بينهما معارك عنيفة، تمكنوا في البداية من صد الهجوم وتوجيه ضربة قوية لها، إلا أن ثلاثة من الپيشمرگة استشهدوا في جبهة ناڤشکى، تقدمت القوات الحكومية باتجاه قرية أوزمانا. عززت قوات الپيشمرگة مواقعها الدفاعية ووصلت قوة الطوارىء لمساندتها إلى قرية اوزمانا وشددت من حصار القوات المهاجمة، لقد تعاون أهل القرية مع قوات الپيشمرگة بكل الطرق، وردوا على هجوم الحكومة بالأسلحة الثقيلة والخفيفة، وهزموها أينما تقدمت ودفعوها إلى خلف قرية زويكا.
هذه المرة لم يكن هجوم الحكومة برياً فقط، بل لم يتردد حتى من الجو أيضاً وذلك القصف من قبل الطائرات، وخلال القتال حلقت ثماني طائرات بشكل مستمر فوق المنطقة لدعم القوات البرية الحكومية وأضرمت النيران في مواقع الپيشمرگة، وأدى ذلك إلى استشهاد عدد من الپيشمرگة، ولحسم نتائج المعارك، هاجم الجيش العراقي بإستمرار مقرات وقواعد الپيشمرگة جواً، وكانت تلجأ في كل معركة مع الپيشمرگة إلى قصف المواقع.
واستمر هجوم النظام البعثي ثمانية أيام، حيث كانت القوات العسكرية والمسلحة تواجه قوات الپيشمرگة باستمرار بدعم من الدبابات والمدفعية والطائرات، وكانت قوات الپيشمرگة تتصدى لها بكل أسلحتها وبدعم من قوات الدفاع الوطني لكل تلك الهجمات الضخمة والمسلحة لقوات العدو، ورغم أن القوات العراقية أنهكت قوات الپيشمرگة خلال الأيام الثمانية، إلا أن قوات الپيشمرگة لم تتوانى في الدفاع، ففي اليوم الثامن شنت قوات الپيشمرگة هجوماً مضاداً على كافة المحاور ضد القوات الحكومية، حيث هاجمت فجأة طلائع القوات الحكومية، وسرعان ما شتت صفوفها وفرضت عليها نصراً كبيراً، فهزمت القوات الحكومية وتراجعت، وانتهت المعركة بانتصار قوات الپيشمرگة وهزيمة الجيش العراقي والمسلحين المرتزقة.
وتكبدت القوات الحكومية خسائر فادحة في القتلى والجرحى خلال هذا الهجوم، بينها مقتل المقدم عبدالله شقيق لطيف زيباري مستشار المرتزقة، الذي لقي حتفه بالقرب من قرية گلنازکى، وقد تركت عشرات الجثث في ساحة المعركة وتم أسر العديد منهم، وقعت كمية كبيرة من الأسلحة والذخائر بيد قوات الپيشمرگة وأصبحت من إنجازات الثورة، وقد تحقق النصر في هذه المعركة بدماء ثمانية شهداء طريق كوردستان، خمسة منهم استشهدوا بغارات جوية.
واستمرت الهجمات الحكومية هذه، على المناطق الخاضعة لسيطرة الثورة طيلة تاريخ النضال التحرري الكوردي، لكنها فشلت ولم تتمكن من السيطرة على هذه المناطق بسبب الدفاع القوي الذي قدمته قوات الپيشمرگة، وكان من شأن ذلك أن يشكّل إنجازاً عظيماً للثورة ويرفع من معنويات الپيشمرگة، وفي الوقت نفسه كان ليحدث صدى كبيراً في المنطقة، وهو ما كان ليشكل فشلاً أخلاقياً كبيراً للحكومة.
المصادر:
١- مهسعود بارزانی، بارزانی و بزوتنهوەی ڕزگاریخوازی كورد، بهرگی چوارم، ١٩٧٥- ١٩٩٠ شۆڕشی گوڵان، بهشی دووەم، چاپی یهكهم، (چاپخانهی ڕوكسانا- ٢٠٢١).
٢-غازی عادل گەردی، پێشمەرگەیەک لە خزمەت ڕێبازى بارزانیدا حەجى بێڕۆخى بەرگى دووەم، چاپى دووەم، (تورکیا- ٢٠٢١).
٣- محەمەد مراد، خەباتا چیا، بیرهاتن و سەرهاتیێن شۆڕەشا گولانێ دناڤبەرا ساڵین (١٧٦-١٩٨٩) دا، (چاپخانا کوردستانێ - زاخۆ- ٢٠٠٧).