ملحمة جبل سرتيز

يقع جبل سرتيز شمال جبل زوزك وجنوب جبل حسن بك. بالنسبة لقيادة ثورة أيلول، كانت سلسلة هذه الجبال ذات أهمية كبيرة ، لأن الطريق الاستراتيجي الذي كان يمر عبر مضيق بيشة كان بوابة مهمة لربط منطقتي برادوست وبرزان بمنطقة بالكايتي التي كانت مقرا لقيادة الثورة. كان الجيش العراقي يحاول الاستيلاء على الجبل لتعطيل كل تحركات الثورة و قطع الاتصالات بين المناطق الخاضعة لسيطرة الثورة.


يقع جبل سرتيز شمال جبل زوزك وجنوب جبل حسن بك على ارتفاع ١٨٥٠ مترًا فوق سطح البحر. يطلق عليه جبل تاتان على الخريطة العسكرية العراقية ويطل على مضيق بيشة من الشمال كانت قيادة ثورة أيلول تهدف دائما إلى حماية الجبل من الوقوع في أيدي الجيش العراقي. لأن الطريق الاستراتيجي الذي كان يمر عبر مضيق بيشة بوابة مهمة لربط منطقتي برادوست وبارزان بمنطقة بالكايتي التي كانت مقر قيادة الثورة.

في بداية ثورة أيلول، في ٢٩ أيار ١٩٦٢، جاء الملا مصطفى بارزاني، زعيم الثورة الكوردية، وأكثر من ٥٠٠ من البيشمركة إلى قرية بيشة لأول مرة ومكثوا هناك لمدة ليلتين وتم استقبالهم من قبل أهالي القرية بحفاوة، ثم مكثوا ليلة أخرى في مضيق بيشة ليغادروا إلى مناطق أخرى من منطقة بالكايتي.

بعد سيطرة الجيش العراقي على منحدرات جبل كورك، كانت معظم المناطق مثل رواندز، سهل ديانا وبادليان معرضة لخطر الاحتلال ، لذلك أمر المكتب العسكري للثورة قوات (هلكورد، زمناكو، زاخو، كاوة، سفین، أزمر) لإرسال كتيبة من كل قوة إلى جبل سرتيز، لتعزيز مواقع البيشمركة في المرتفعات الاستراتيجية، من خلال إنشاء خط دفاع لتقليل التهديد على قيادة الثورة وغيرها. لتصل هذه القوات إلى المكان المحدد في آب ١٩٧٤.

وعندما نجح الجيش العراقي في الاستيلاء على جبل زوزك بدأ يستعد للاستيلاء على جبل سرتيز ووصل تقدمه إلى قرية سيتكان عند سفح الجبل، وأبلغت قوات البيشمركة التي كانت في موقع دفاعي قادة الجبهة إن الجيش العراقي يتقدم نحو مواقعهم. و فور ورود النبأ تجمع قادة البيشمركة في قرية بيشة لوضع خطة لمنع تقدم الجيش العراقي. ولهذه الغاية، وصل الأمر إلأى حميد أفندي كقائد للمشاة وعمر عثمان كقائد لمدفعية الثورة بمهاجمة الجيش العراقي لهزيمة تقدمهم وطردهم من المنطقة.

بدأت ملحمة جبل سرتيز بقصف مدفعية الثورة على الجيش العراقي، والذي بدوره قصف بشكل مكثف مضيق عمر أغا جنوب غرب جبل سرتيز في ٧ تشرين الأول ١٩٧٤، أطلقت الحكومة العراقية خطة لمهاجمة جبل سرتيز، وبدأ الهجوم بقصف مكثف للجبل بأكمله بمدفعية الجيش وأسلحة جراد. وطائرات القوة الجوية التي أحرقت الجبل بأكمله بقنابل النابالم والفوسفور ثم تمكنت من السيطرة عليه.

لكن بعد أسبوع، وبعد أخذ استراحة والاستعداد لهجوم معاكس، استطاعت قوات البيشمركة الكوردستانية التي تألفت من كتيبة من قوات خبات بقيادة حمة شميراني وكتيبة من قوات زمناكو بقيادة نوري حمة علي، مهاجمة الجيش العراقي والاستيلاء على الجبل بأكمله وإلحاق أضرار جسيمة بالجيش العراقي الذي كان يضم أكثر من ٢٠٠ قتيل وعدد كبير من الجرحى. فيما استشهد من قوات البيشمركة شخص واحد  وأصيب ٦ آخرون بجروح. وفي اليوم التالي هاجم الجيش العراقي الجبل مرة أخرى واستعاد السيطرة عليه، و بعد شهرين من القتال على جبل سرتيز، الذي كان يضم أربعة مواقع عسكرية عراقية استراتيجية، كان بيد البيشمركة في بعض الأحيان و في أحيان أخرى كان بيد الجيش العراقي، لتقرر قوات البيشمركة الانسحاب من الجبل بسبب عدم المساواة من حيث القوة العسكرية والأسلحة القتالية.

بعد ثلاثة أيام من انسحاب البيشمركة من جبل سرتيز، وصلت رسالة من المكتب العسكري للثورة إلى قائد قوات البيشمركة في جبهة القتال، لشن هجوم مضاد والاستيلاء على النقاط الأربع الاستراتيجية التي يتمركز فيها جنود الجيش العراقي.

شارك في هذا الهجوم أكثر من ٢٠٠ بيشمركة من قوات هلكورد، بالك وأزمر والتي كانت عبارة عن عدة كتائب ، كل كتيبة تضم ٣٠ بيشمركة شاركت في هذا الهجوم بقيادة حميدافندي، بدأ هجوم البيشمركة في ١٥ نوفمبر ١٩٧٤ الساعة ١٧:٠٠ بقصف مدفعي كثيف على نقاط الجيش العراقي بدأ من ٧:٠٠ حتى ١٦:٣٠ دقيقة، ثم هاجمت قوات البيشمركة الكوردستانية بخطة عسكرية متينة مواقع عسكرية للجيش العراقي. وتمكنوا من الاستيلاء على جبل سرتيز مرة أخرى خلال نصف ساعة وألحقوا أضرارًا جسيمة بالجيش العراقي وقتلوا وجرحوا العديد من الأشخاص في المعركة، ناهيك عن حصول البيشمركة على مكتسبات كثيرة منها ٤٥ بندقية كلاشينكوف ١٤٠ قنبلة يدوية ٧ مسدسات ٢ جهاز لاسلكي و ٣٨ مسدسا ضوئيا و ٤ رشاشات.

جبل سرتيز كان له أهمية كبيرة للجيش العراقي، لدرجة بعد كل الهزائم المتتالية التي تلقاها على يد قوات البيشمركة الكوردستانية، إلا إنه كان مصرا على احتلاله. في اليوم التالي، ١٦ نوفمبر ١٩٧٤، هاجموا المواقع الاستراتيجية الأربعة مرة أخرى بكتيبة خاصة من الجيش العراقي، ليتمكن من الوصول إلى الأماكن الاستراتيجية الأربعة تارة أخرى، ولكن عند غروب الشمس يوم ٢٠ نوفمبر ١٩٧٤، شنت قوات البيشمركة  هجوما على جبهاتهم واستولت على مواقعهم، لكن بسبب إجهاد البيشمركة، وشدة الهجمات المتتالية، وقصف الجيش المستمر، لم تستطع قوات البيشمركة أن تصمد على البقاء فيه، فتركوا الجبهات في تلك الليلة وسيطر الجيش العراقي على الجبل مرة أخرى.

في جميع هجمات الجيش العراقي على جبل سرتيز، تسلقوا الجبل من قرية سيتكان. على إحدى المرتفعات الشمالية لجبل زوزك أسفل جبل سرتيز، باسم خارومر، حيث تمركز فيه مدفع رشاش لقوة الإسناد، كانت تساند عمليات البيشمركة في جبل سرتيز.

كان لاستبقاء قمة جبل سرتيز في أيدي قوات البيشمركة الكوردستانية أهمية خاصة. هذه المرة وصلت رسالة إلى قادة ذراع المعركة هذه من مقر البارزاني مفادها أن جبل سرتيز يجب أن يكون في أيدي البيشمركة. وأكد مضمون الرسالة أن قوات الهلكورد يجب أن تستولي على الجبل، ثم تستقر مكانها كتيبة سيد عبوش من قوات زاخو. من أجل تنفيذ أوامر قيادة البارزاني، تمكنت كل من قوات هلكورد وأزمر من مهاجمة  قمة الجبل وفي وقت قصير تم إجبار الجيش العراقي والعملاء (الجاش) على إخلاء المواقع مواقعهم، وتمت السيطرة على جبل سرتيز مرة أخرى واستقرت كتيبة سيد عبوش هناك كما هو مذكور في الرسالة. لكن هذه المرة، تعرض الجيش العراقي لهزيمة شديدة أمام حملات البيشمركة. لم يبق لديه شيء للانتقام من قوات البيشمركة على كل الأضرار التي لحقت به، إلا القيام بقصف مكثف لمواقع البيشمركة في جبل سرتيز. وقد ألحق هذا القصف أضرارا جسيمة بقوات البيشمركة وأسفر عن استشهاد ١٨ بيشمركة، و ١٤ جرحى في قوة الهلكورد، و ١١ شهيدا و ٤ جرحى في قوة زاخو، شهيد و ٢ جريحان في قوة زمناكو.

و بسبب الهزائم المتتالية التي تعرض لها في هذه المنطقة. و بدء موسم البرد وتساقط الثلوج ضعف الجيش العراقي ولم يتمكن من مقاومة البيشمركة ومهاجمة جبل سرتیز مرة أخرى.


المصادر:

  1. مه‌سعود بارزانی، بارزانی و بزووتنه‌وه‌ی ڕزگاری خوازی كورد، شۆڕشی ئه‌یلوول ١٩٦١-١٩٧٥، به‌رگی سێیه‌م، به‌شی دووه‌م.

  2. سه‌نگه‌ر ئيبراهيم خۆشناو، رِووداوه‌ سه‌ربازيه‌كانى شۆرشى ئه‌يلوول ١٩٧٠-١٩٧٥ ، چاپي يه‌كه‌م، هه‌وليَر.

  3. غازی عادل گه‌ردی، پێشمه‌رگه‌یه‌ك له‌ خزمه‌ت بارزانیدا ... حه‌جی بێڕۆخی، به‌رگی یه‌كه‌م، چاپی دووه‌م، ٢٠٢٠.

  4. ئيسماعيل گونده‌ژۆرى، شۆرِشى ئه‌يلوول له‌ باله‌كايه‌تى، چاپخانه‌ى رِۆژهه‌ڵات، ٢٠١٨.

  5. دیمانه‌: گۆرگیس یه‌لدا ته‌رخان، پێشمه‌رگه‌ی شۆرشی ئه‌یلوول، ئه‌رشیفی ئینسكلۆپیدیا.

  6. دیمانه‌، قادر حسن سیتكانی، پیشمه‌رگه‌ی شۆرشی ئه‌یلوول، ٣١/١٢/٢٠٢٢.


مقالات ذات صلة

ملحمة گاره‌ ١٩٨٢

دارت احداث هذه الملحمة في ١٠ كانون الأول ١٩٨٢ في سياني گاره‌ وبعمق ٧٠ كيلومتراً داخل المنطقة التي كانت تسيطر عليها حكومة البعث، عندما هاجمت قوات البيشمركة قواعد ومقرات قوة المغاوير والمسلحين المرتزقة (الجحوش) حيث تكبدت القوات الحكومية في غضون ثلاثة ايام وليال من المعركة خسائر فادحة في صفوفها، وكان لهذه المعركة صدى كبير على صعيد المنطقة.

مزيد من المعلومات

ملحمة احمدآوه ١٩٨٧

دور أحداث هذه الملحمة في منطقة أحمدآوه في ١ تموز ١٩٨٧، عندما هاجمت قوات البيشمركة في احد نشاطاتها عدة قواعد للجيش العراقي والمسلحين المرتزقة، بما في ذلك قاعدة للجيش الشعبي، واستطاعت السيطرة على قواعدهم ومقراتهم والحاق خسائر جسيمة بهم، حيث قُتل وجُرح وأُسر العديد منهم، وبعد يومين قررت قوات البيشمركة الانسحاب ومغادرة المنطقة.

مزيد من المعلومات

ملحمة شارزور ١٩٨٢

دارت الملحمة في ٣١ آیار ١٩٨٢ في منطقة شارزور، بمشاركة قوات البيشمركة من الأحزاب الكوردستانیة في جبهة جود، مثل حزب الديمقراطي الكوردستاني والحزب الاشتراكي والحزب الشيوعي، وقُتل خلال هذه الملحمة العشرات من الجنود والمرتزقة (الجحوش)، واستشهاد اربعة من البيشمركة، ثم عادت القوات الحكومية الى معسكر سيد صادق.

مزيد من المعلومات

هجوم الحكومة العراقية على لجنة محلية زاخو ١٩٨٦

دارت هذه المعركة في تشرين الثاني ١٩٨٦ في منطقة زاخو التابعة لمنطقة بادينان، عندما هاجم الجيش ومسلحو الحكومة العراقية مسنوداً بالمدفعية والطائرات الحربية مقرات ومواقع بيشمركة لجنة محلية زاخو، بهدف قمع صوت الثورة.، ولكن تمكنت قوات البيشمركة افشال الهجوم وصد تقدم المسلحين المرتزقة وابعادهم عن المنطقة.

مزيد من المعلومات

معركة مانگیش ١٩٨٤

دارت هذه المعركة في آب ١٩٨٤، عندما قام الجيش العراقي بالتعاون مع المسلحين المأجورين بالهجوم على منطقة مانگیش لقمع صوت الثورة في المنطقة، ولكن وقفت قوات البيشمركة لهم بالمرصاد حيث تصدت لهم وألحقت بهم أضراراً كبيرة ، كانت خسائر الجيش مقتل وجرح عدد كبير من الجنود و المسلحين.

مزيد من المعلومات