في حزيران ١٩٦٣ كثفت الحكومة العراقية جهودها لإنهاء الثورة الكوردية من خلال استئناف هجماتها على مناطق الثورة في مختلف أنحاء كوردستان، بعد أن استولى الجيش العراقي والعملاء (جاش) على جبهة عقرة و على جبل بيرس. استشهد قائد قوات البيشمركة (الملا شيني) وخمسة من عناصر البيشمركة جراء القصف العنيف والهجمات مما أثر سلبا على معنويات البيشمركة. أخلت قوات البيشمركة هذه المواقع وتراجعت باتجاه بلى و ريزان لبناء خط دفاع آخر لمنع الجيش العراقي من دخول بارزان، الأمر الذي كان يدور حول الوصول والتدمير.
في ٣١ تموز ١٩٦٣، شاركت الفرقة الأولى في الجيش العراقي، المكونة من اللواءين الأول والرابع، بمشاركة ٧٠٠٠ عميل (جاش) من الزيباريين و السورجيين و كوران و هركي و شرفاني و يزيدي و كوجر و برواري. ساروا من سفوح جبل بيرس إلى بلي، وعبروا الزاب الكبير، واستولوا على بلى ومحيطها، واستقروا على جانبي النهر. في ذلك الوقت كان مقر البارزاني في وادي دالاش شرقي قرية صفتى، حيث قصف الجيش العراقي المقر بعدة طائرات حربية لمحاصرته واعتقال زعيم الثورة مصطفى البارزاني و مسعود بارزاني الذي كان برفقته. و ١٥ من حراسه البيشمركة. لكنهم تمكنوا من مقاومتهم والدفاع عن أنفسهم والنجاة من هجوم الجيش و العملاء (جاش).
في هذه اللحظة، وصلت رسالة من الجيش العراقي إلى قيادة الثورة بأن الجيش العراقي يعتزم مهاجمة برزان في ٤ آب. وأمر البارزاني بإقامة خط دفاع في ملي ساريجي بين بلى وبارزان لمنع الجيش العراقي من دخول بارزان وتدميرها، وتحقق الحكومة نواياها. لأن البارزاني نفسه كان هناك وأشرف مباشرة على القتال. وعيّن قائد البيشمركة حسين ميركسوري لتولي مسؤولية خط الدفاع، على أن يثبتوا مواقعهم في ملى ساريجي وأن يمنعوا تقدم الجيش والجيش من الوصول إلى بارزان.
كلف حسين ميركسوري مجموعات البيشمركة وقسمهم إلى مواقع، بانتظار ساعة الصفر وقبل بدء الهجوم قصفت الحكومة مواقع البيشمركة بالمدفعية والطائرات لمدة يوم وليلة، ثم في صباح ٤ آب ١٩٦٣ هاجمت مواقع البيشمركة بجميع أنواع الأسلحة الثقيلة والخفيفة. وواجهتهم قوات البيشمركة بالأسلحة الخفيفة التي بحوزتهم ومنها رشاشات وعدد من برنو(برنؤ) البريطانية.
بعد ١٠ ساعات من المعارك تمكنت قوات البيشمركة من هزيمة الجيش والعملاء وكبدتهم خسائر كبيرة تقدر بعشرات القتلى والجرحى. تاركين جثث ٤٠ قتيلاً في ساحة المعركة، لكن في قوات البيشمركة استشهد حسين ميرغسوري قائد البيشمركة وثلاثة من البشمركة وأصيب آخر.
بعد يومين في ٦ آب، اتجهت القوات الحكومية شرقاً للاستيلاء على ريزان، ذراع آخر لخط الدفاع بقيادة عزير دولمري، وعمر آغا دولمري وحالي دولمري، الذين كانوا برفقة حوالي ٢٠٠ من البشمركة. بعد قصف عنيف حول جسر ريزان، بدأ الجيش وقوات الجيش بالتقدم نحو الجسر. و اختبأ البيشمركة في مواقعهم حتى وصل الجنود والعملاء إلى الجسر وعبر بعضهم ثم بدأ البيشمركة بالهجوم. ارتبك الجنود والعملاء وتحطمت صفوفهم وكسر هجومهم وهربوا. هذه المرة تركوا جثث ٣٦ قتيلاً في ساحة المعركة، سقط ١٤ منهم في الزاب الكبير وجرفتهم المياه.
كان لقوات البيشمركة في جبهة القتال هذه مدفع هاون واحد بحجم (٣) عقدة وفي أيديهم ١٢ رصاصة فقط أطلقت منها ٦ على العدو و تم الاحتفاظ بـ ٦ أخرى. لكن لحسن حظ البيشمركة، أصابت الرصاصة الأولى مجموعة من العملاء(جاش) وقتلت بعضهم ، وخلقت وضعا مزريا للجيش والعملاء.
وبعد فشل القوات الحكومية في هذا الهجوم استعدوا لهجوم آخر على قرية هوستان شرقي بارزان. أنشأت قوات البشمركة تحت قيادة ساكو كانيالنجي ، الذي حل محل حسين ميرغسوري، إلى جانب مسؤولين آخرين من البيشمركة، خط دفاع. ووعدوا بمنع الجيش الحكومي من تنفيذ خططه، وفي البداية بدأ الجيش العراقي، كما هو الحال دائما، بقصف عنيف وضربات جوية. ثم في صباح ٨ آب ١٩٦٣، شنوا هجوماً واسعاً، ولكن تصدت قوات البيشمركة لهجوم الجيش العراقي مرة أخرى و هزمت الهجوم بسرعة وقضت على أحلامهم ليهربوا من ساحة المعركة مع عشرات القتلى والجرحى. ولم يكن لقوات البيشمركة سوى شهيد واحد وجريحان.
بعد هذا الهجوم في ١٠ آب والأيام التالية، شن الجيش العراقي والعملاء (جاش) هجومان على المرتفعات الواقعة خلف قرية أستة للسيطرة على قرية ريزان. لكنهم فشلوا في كلا الهجومين، و تعرضوا للهزيمة والقتل والجرح بشدة، فضلًا عن أسر ٤ جنود. جدير بالذكر أن البارزاني زعيم الثورة الكوردستانية كان يشرف على القتال دائما في هذه الملحمة. تواصلت الحكومة العراقية القتال والهجوم انتقاما لكل الهزائم الأخيرة التي تعرضت لها. لم يبق لديهم شيء سوى قصف بارزان والقرى المجاورة باستمرار حتى تدميرها.
بعد الهزيمة والخسائر الفادحة على جبهتي معركة بارزان وشيروان الذي تعرض لها الجيش العراقي، تدهورت أوضاع الجيش العراقي للغاية، لذلك أبلغ المقدم إبراهيم فيصل أنصاري قائد الفرقة الثانية في حدود جامة وشيروان مزن رئيس الأركان (طاهر يحيى) واقترح الحل السلمي. وأعرب رئيس الأركان عن عدم ممانعته وأبلغهم في الاتصال بالشيخ أحمد بارزاني، شيخ بارزان. في ٢٢ سبتمبر ١٩٦٣، بعث الأنصاري برسالة إلى الشيخ أحمد عن طريق سعيد أسد شيتني، يطلب منه إرسال وفد إليه وإلى محافظ أربيل للتفاوض والاتفاق. وبعد التشاور مع زعيم الثورة مصطفى البارزاني قرر الشيخ أحمد الرد على الأنصاري برسالة.
ونتيجة للمحادثات التي جرت بين الشيخ أحمد والحكومة العراقية، والتي دعت إلى نزع سلاح البارزانين، دعا الشيخ أحمد الحكومة إلى انسحاب الجيش و العملاء (الجاش). ونتيجة للاتفاق بينهما غادر البارزاني في ١٠ أكتوبر ١٩٦٣ بارزان بناء على طلب الشيخ أحمد ووصل إلى سوران وبالكايتي. و تم رفع الهجوم العسكري الحكومي على منطقة بارزان وساد السلام المنطقة.
المصادر:
-
هۆژین مەسعود سەرنى: شورەشا ئیلونێ ل دەڤەرا بەهدینان ١٠٦١- ١٩٧٥، چاپى یەکەم، ٢٠١٨.
-
حاجى میرخان دۆڵەمەرى: گەڕان بەدواى دادپەروەریدا، بەرگى یەکەم، چاپى دووەم، چاپخانەى اسراء، تاران، ٢٠٢١.
-
مسعود بارزانی: بارزانی و بزوتنەوەى ڕزگاریخوازی کورد، بەرگی سێیەم، بەشی یەکەم، شۆڕسی ئەیلوول ١٩٦١-١٩٧٥، چ: یەکەم ٢٠٠٤.
-
وەلى زبێر هۆستان: چەند ڕووداو و بەسەرهاتێک لە شۆرش و ڕاپەڕینەکانى بارزاندا، چ: یەکەم، چاپخانەى ڕۆژهەڵات، هەولێر، ٢٠١٧.
-
کاروان جوهر محمد: ئیدریس بارزانى ١٩٤٤- ١٩٨٧ ژیان و ڕۆلى سیاسیى و سەربازى لە بزوتنەوەى ڕزگاریخوازى کورددا، چاپخانەى هێڤی، هەولێر، ٢٠١٩.
-
غازى عادل گەردى: پێشمەرگەیەک لە خزمەت ڕێبازى بارزانیدا حەجى بیڕۆخى، بەرگى یەکەم چاپى دووەم، تورکیا، ٢٠٢١.
-
هاشم شێڕوانى: دەڤەرا بارزان، جوگرافیا- دیرۆک-کەلتور، چاپى یەکەم چاپخانەى وەزارەتى ڕۆشەنبیرى، هەولێر، ٢٠٠٨.