تعتبر ملحمة كوري إحدى المعارك المصيرية التي خاضتها پیشمرگة كوردستان ضد الجيش العراقي في ٧-١١ نيسان ١٩٩١، بعد هزيمة الجيش العراقي في ربيع عام ١٩٩١ أمام قوات الپیشمرگة التابعة للجبهة الكوردستانية وموجة الأستياء والغضب الجماهيري المنتفضة في جنوب كوردستان، سرعان ما حصل جيش النظام على الضوء الأخضر من قبل قوات التحالف، وفي ٢٧ آذار ١٩٩١، تصدى هذا الجيش بقوة ومقاومة شديدة لقوات الپیشمرگة في كركوك. وسيطرت على الكثير من المدن والقصبات، حتى وصلت الى مضيق كوري، وفي تلك المنطقة الوعرة، أنشأت قوات الپیشمرگة خط دفاع قوي لمنع الجيش العراقي من التقدم أكثر، في هجومين واسعي النطاق للمشاة مدعومين بالدبابات والمدفعية والمدرعات والمروحيات، هاجمت القوات العراقية بلدة كوري لكنه هُزم بشدة.
مقدمات حدوث ملحمة كوري
بعد حرب الثماني سنوات بين العراق وإيران، صوّر نظام البعث نفسه كقوة عالمية، تجاوزت غطرسته وكبرياؤه حدود الإنسانية، منتهكاً حقوق الإنسان وتجاوزه على حياة المواطنين، عبور الحدود الدولية بغرض الاحتلال عبر العمليات العسكرية بحجة أنها تمتلك قوة عسكرية ضخمة وخامس جيش في العالم عدداً وأسلحة (گردي، ٢٠٢١، ٣٠٥). وكان هذا عاملاً مهماً في غزو نظام البعث للكويت في ٢ آب ١٩٩٠، والذي سيطر على البلاد خلال ٢٤ ساعة. كل هذا أدى إلى وجود اجماع دولي ضد النظام وفرض القرار الأممي عليها الذي حمل رقم ٦٨٧، مما أدى بعد ذلك إلى أزمة اقتصادية واندلاع حرب الخليج (جارلز تريب، ٢٠١٣، ٣٣٦). إن هزيمة الجيش العراقي أمام قوات التحالف وضعف وانعدام ثقة القادة البعثيين تجاه الشعب العراقي، أسرعت مجرى الأحداث وهيأت ظروف الردة والأنتفاضة للشعب العراقي، بما في ذلك الشعب الكوردي، ولم يترددوا في مواجهة المؤسسات الحزبية والعسكرية في جنوب وشمال البلاد(محمد عزيز، ٢٠٢٤، ٢٢٦). ونتيجة لذلك، في ربيع عام ١٩٩١، تصدت الجماهير للجيش والقوات المسلحة وقوات الأمن التابعة لنظام البعث، مما أدى إلى انتفاضة شاملة (عمر عثمان، ٢٠٠٨، ١٥٥). كانت انتفاضة عام ١٩٩١ في جنوب كوردستان نقطة تحول تاريخية في حياة شعب كوردستان (بارزاني، ٢٠٢٠، ٤٣).
في ٥ آذار١٩٩١ أوقدت شعلة الانتفاضة النار في المؤسسات الحزبية والعسكرية لنظام البعث لأول مرة، بدأت اولاً في مدينة رانية ثم توسعت حتى شملت مدن وقصبات جنوب كوردستان الأخرى، سقطت مدينة تلو مدينة واستطاعت الجماهير طرد القوات العراقية منها، وفي ٢١ آذار ١٩٩١ سقطت كركوك في أيدي الثورة والجماهير المنتفضة (حه مه علي، ٢٠١٦، ١٨٦-١٩١).
وأثبتت الانتصارات السريعة أن الانتفاضة كانت أكبر ثورة كوردية في تاريخ حركة التحرر الكوردستانية، إذ كانت المرة الأولى التي يتمكن فيها الكورد من تحرير جنوب كوردستان بأكمله، بما في ذلك مدينة كركوك من النظام العراقي (قادر، ٢٠٢٢، ٦٢).
غزو الجيش العراقي لاستعادة احتلال كوردستان
وبعد خسارة جميع البلدات والمدن الكوردية، كان جيش حرب الخليج المهزوم يبحث عن فرصة لشن هجوم مضاد على كوردستان واستعادة المدن والبلدات المحررة، على الرغم من أن القوات الكوردية شكلت جبهة قتال داخل الجبهة الكوردستانية، مع انّ القوى الكوردستانية كانت قد شكلت جبهة حرب واحدة في اطار الجبهة الكوردستانية، وفي ٢٧ آذار ١٩٩١ عقدوا اجتماعاً للهجوم على معسكر خالد في كركوك التي كانت لا تزال تحت سيطرة الجيش العراقي، لكن الهجوم لم يتم بسبب اهمال احد اطراف الجبهة الكوردستانية، وخلاف ذلك فقد تصدى الجيش العراقي لقوات الپیشمرگة عن طريق الدبابات والمدرعات والطائرات الحربية والقصف بالمدافع (حه مه علي، ٢٠١٦، ١٩٢).. في ٢٨ آذار ١٩٩١ وتحت إشراف وتخطيط عزت دوري وعلي حسن المجيد اللذين عينهما صدام حسين نفسه لأعادة احتلال كوردستان، بدأ النظام هجومه الأول على الپیشمرگة من كركوك (قادر، ٢٠٢٢، ٦٣). وتكبدت قوات الپیشمرگة في هذا الاشتباك خسائر فادحة واستشهد وجرح عدد كبير من الپیشمرگة والجماهير المنتفضة. ونتيجة لذلك، تمكن الجيش من استعادة كركوك والتحرك للاستيلاء على أربيل والسليمانية (اسماعیل، ٢٠١٩، ٢٥٧).
وشن الجيش العراقي هجوما مضاداً على كوردستان منطلقاً من كركوك بالطائرات الحربية والكاتيوشا والمدفعية بعيدة المدى والدبابات والمدرعات، ورغم أن قوات الپیشمرگة شنت هجوماً مضاداً عدة مرات، إلا أن تأثيرها كان ضئيلاً في وقف هجوم الجيش العراقي، بسبب تشرذم القوى السياسية وقلة خبرة بعض الپیشمرگة في القتال الجبهوي من جهة، وعدم المساواة في القوة والسلاح والقدرات اللوجستية من جهة اخرى، مما اضطروا الى التراجع (عمر عثمان، ٢٠٠٨، ١٦٦).
وواصل الجيش العراقي التقدم بمعنوية عالية حتى استعاد معظم المناطق المحررة، وربما لم يكن هذا هو السبب الوحيد لفشل الپیشمرگة، لكن كانت هناك أسباب أخرى، مثل التوزيع غير المنتظم للپیشمرگة على الجبهات، وعدم رغبة پیشمرگة كل الأحزاب في القتال والمقاومة، وكان هذا سبباً في تهيئة الأجواء لتقدم الجيش العراقي.
ومن الجدير بالذكر أن تقدم الجيش العراقي أثار الكثير من الخوف والقلق في نفوس سكان المدن، كون المواطنين كانوا على دراية بقمع النظام البعثي في السابق، كان هناك خطر من أن يتخذ موقفاً عدائياً ورد فعل تجاه الجماهير المنتفضة، لذلك هاجر معظم سكان المدن إلى المناطق الحدودية، مما أدى إلى إطلاق الهجرة المليونية (قادر، ٢٠٢٢، ٦٣). ولجأ العديد منهم إلى كل من إيران وتركيا، اللتين فتحتا حدودهما أمام اللاجئين (زيباري، ٢٠١٥، ٥١٧).
هجوم الجيش العراقي والخط الدفاعي للپیشمرگة
وعندما نجح جيش نظام البعث في قمع الانتفاضة في جنوب العراق، أعاد تنظيم نفسه لإعادة احتلال كوردستان وقمع انتفاضة الشعب الكوردي، استولى أولاً على كركوك ثم تقدم لاستعادة أربيل والسليمانية، وكثفت قوات الپیشمرگة التي كانت تتألف في ذلك الوقت من أحزاب الجبهة الكوردستانية جهودها لمنع الجيش العراقي من مهاجمة قرية شيراوة القريبة من بلدة بردى (سيدكاكه، ١٩٩٧، ٢٥٢)، لكنها لم تتمكن من وقف الهجوم، فانسحبوا إلى ناحية قوشتبة جنوب أربيل. قصف الجيش العراقي بشكل عشوائي الأشخاص الفارين في سهل قوشتبة بالدبابات والمدفعية والمركبات المدرعة والمروحيات، وسرعان ما استعاد قوشتبة، وأنشأت قوات الپیشمرگة جبهة جديدة لوقف التقدم وتصدت لهم ليلاً، لكن جهودها باءت بالفشل وتراجعوا بعد فترة، حتى تقدم الجيش العراقي داخل أربيل وسيطر بشكل كامل على المدينة في ٣١ آذار (عمر عثمان). "، ٢٠٠٨، ١٦٧). وقبيل وصول الجيش العراقي إلى أربيل، اجتمعت القوات في الجبهة الكوردستانية لبحث الوضع القتالي ووقف تقدم الجيش العراقي. واختلفت آراء الأطراف في اللقاء حول مواجهة هجوم الجيش، حيث رأى البعض أنهم لا يستطيعون القتال ومواجهة النظام، لكن أحد الأطراف من باب المزايدات رأى أنه قادر على مواجهة الجيش وقرر القتال، وبحسب رواية مسؤول عسكري، كان أحد الأحزاب يعتقد أيضاً أنهم لا يستطيعون الدفاع داخل أربيل، لكن زار مع رئيس الحزب الذي قال إنهم يقاتلون خط دفاع كركوك وديبكة، إلا أنهم رأوا أنه لم يبق في مكانهم أي من افراد الپیشمرگة واخلوا ساحة المعركة (سيدكاكه، ١٩٩٧، ٢٥٢-٢٥٣).
وبحسب إحدى الروايات، فإن سبب استعادة النظام العراقي لأربيل والسليمانية هو أن قوات پیشمرگة الجبهة الكوردستانية لم تكن كبيرة بما يكفي لمقاومة قوات النظام الحاشدة، ولم تكن القوات الجماهيرية منظمة بشكل جيد ولكنها شاركت بشكل عشوائي. ومع تحرك الجيش العراقي من كركوك إلى السليمانية وأربيل وتقدمه بسرعة ضد المقاومة الضعيفة للپیشمرگة، بدأ معظم السكان في إجلاء أسرهم وأطفالهم إلى الحدود الإيرانية والتركية، مما أدى إلى حدوث هجرة شاملة. (اسماعیل، ٢٠١٩، ٢٥٧).
وبعد أن سيطر الجيش العراقي بشكل كامل على أربيل، واصل محاولته إعادة احتلال جميع المدن والقصبات الكوردستانية. ولهذا الغرض تم تكليف الفرقة ٢٨ بقيادة العميد ركن حمد حمو بالسيطرة على منتجع بيرمام. وفي ٥ نيسان ١٩٩١، بدأت القوة بالتحرك وأنشأت قوات الپیشمرگة خط دفاع آخر بالقرب من ملا أومر لوقف تقدم الجيش، لكن قلة عدد القوات وانقسام قوات الپیشمرگة وعصيان بعض قوات الپیشمرگة لقادتهم، خانزاد، كان سبباً في الأنسحاب الى خانزاد قرب منتجع بيرمام، وكان تقدم الجيش يتزايد وكانوا يقتربون من بيرمام، ورغم أن قوات بارزان أنشأت قاعدة لها في بستوره، إلا أنهم حاولوا إيقاف الجيش من هناك، إلا أنهم لم يستطيعوا إيقاف تقدم الجيش بسبب عدم التكافؤ في القوة والأسلحة والذخائر (قادر ، ٢٠٢٢، ٧١).
ومن اجل ايقاف تقدم الجيش العراقي من قبل قيادة الجبهة الكوردستانية، كانت هناك محاولات لمنع الجيش من التقدم، لذا تم عقد اجتماع للقيادات العسكرية لأحزاب الجبهة الكوردستانية، من اجل انشاء خط دفاعي قوي في بيرمام. وقرر الاجتماع تقسيم جبهة المعركة إلى محورين على الطريق الرئيس بين أربيل وشقلاوة، وتم تسليم المحور الأول لقوات الاتحاد الوطني الكوردستاني والحزب الاشتراكي، وتم تسليم المحور الثاني لقوات الحزب الديمقراطي الكوردستاني والحزب الشيوعي، وبقيت قوات الپیشمرگة في هذه المناطق لعدة أيام، لكن الجيش واصل التقدم نحو بيرمام حتى وصل إلى أعالي بيرمام، ولم يكن دفاع الپیشمرگة قوياً بما يكفي لوقف التقدم. وهُزم خط دفاع الپیشمرگة هناك وانسحبوا إلى كوري.
واصل الجيش العراقي التقدم والاستيلاء على منطقة تلو منطقة، وكان الوضع في كوردستان يتدهور لحظة بلحظة، وأصبح الناس يیأسون أكثر فأكثر ويهربون بأعداد كبيرة، وكان الجیش العراقي یقترب من احتلال كامل كوردستان، وكانت دفاعات الپیشمرگة ضعيفة للغاية، وانهارت معنويات الناس وآمالهم لأن الأطراف لم تكن تقاوم بشكل صحيح، والقوة الوحيدة التي ردت على هجوم الجيش العراقي هي القوة التي كانت برفقة مسعود بارزاني وتحمل أسلحة دوشكة لمنع المروحيات من إيذاء الپیشمرگة والأهالي.
كان الجيش يقترب من بيرمام شيئاً فشيئاً، وفي ٦ نيسان ١٩٩١، قامت قوة صغيرة من الپیشمرگة بقيادة الدكتور سعيد بارزاني وحالي دولمري وعدة وحدات أخرى من الپیشمرگة بالتصدي للجيش العراقي، لكن لم تتمكن من إيقافه وسقطت البلدة في أيدي وحدات الجيش، انسحبت قوات الپیشمرگة إلى قرية حجران القريبة من كوري، وهو ما يمكن تفسيره على أنه استراتيجية عسكرية لأن الموقع الجغرافي لكوري كان أكثر ملائمة لقوات الپیشمرگة الصغيرة لإنشاء خط دفاع ضد الجيش العراقي الضخم.
وتوزعت قوات الپیشمرگة على موقعين استراتيجيين، حيث تمركزت قوات الحزب الديمقراطي الكوردستاني في مرتفعات كوري غرباً، وقوات الاتحاد الوطني الكوردستاني شرقاً، وكان كل من حميد أفندي من الديمقراطي الكوردستاني ومن الأتحاد الوطني كوسرت رسول يشرفان على المعركة (قادر، ٢٠٢٢، ٧٢-٧٥).
تقدم الجيش بإتجاه كوري
كان الجيش العراقي قد خطط لإعادة احتلال كافة المدن والبلدات الكوردية بهدف قمع الانتفاضة الكوردية كما قمعها في جنوب العراق، لكن معركة كوري أصبحت نقطة مضيئة في تاريخ حركة التحرر الكوردية، ومن الواضح أنها بسبب موقعها الجغرافي الصعب تحيط بها سلاسل جبلية وعرة في الشرق والغرب. ويطلان من الجانبين على واد يمر عبره طريق أربيل – شقلاوة الرئيس، قررت قوات الپیشمرگة بناء حاجز قوي أمام تقدم الجيش العراقي لمنع قوات النظام من التقدم، ومع ذلك، بعد الاستيلاء على منتجع بيرمام في ٧ نيسان ١٩٩١، تقدم الجيش العراقي نحو ناحية كوري بقوة كبيرة من المشاة المدججين بالأسلحة المتقدمة تتكون من فرقة كاملة، مدعومة بالدبابات والمدفعية والمدرعات (قادر، ٢٠٢٢، ٢٠٢٢). ٧٩).
الهجوم الأول:
في ٧ نيسان ١٩٩١، شن الجيش العراقي هجوماً بالدبابات والمدرعات من بلدة بيرمام باتجاه ناحية كوري دون اية مقاومة تذكر، وفور وصولهم إلى كوري، وصلت قوة من الپیشمرگة التابعة للحزب الديمقراطي الكوردستاني بقيادة الدكتور سعيد بارزاني وحالي دولمري إلى المرتفعات المطلة على كوري، بأمر من حميد أفندي القائد العسكري لجبهة المعركة، وبقليل من القوة والقدرة اللوجستية، تمكنوا من التصدي للهجوم وبدأت معركة حامية الوطيس. أصابت قوات الپیشمرگة هدفها وأصبحت حصناً قوياً وعطلت تقدم الجيش في المنطقة، وتمكنت من دحر الهجوم (قادر، ٢٠٢٢، ٧٩). وفي هذه المعركة الحقت قوات الپیشمرگة أضراراً جسيمة بالجيش العراقي، منها تدمير أربع دبابات ومدرعات وعدد من الآليات العسكرية (سيدكاكه، ١٩٩٧، ٢٥٥).
ومع تدمير الدبابات والمدرعات التي استهدفتها الپیشمرگة بقذائف آر بي جي في المرتفعات، بدأ القتال في الجزء السفلي، وهاجمت قوات الپیشمرگة الدبابات والمدرعات ودمرت الآليات، لم يصب الپیشمرگة في هذه المعركة، وقد قتل من الجيش العراقي أكثر من ١٤ جندياً، تركت جثثهم في ساحة المعركة، واحتُجز آخرون كأسرى.
حقق الپیشمرگة انتصارا كبيرا في المعركة وبعد هذه الهزيمة أكد قائد الفرقة العسكرية في الجيش العراقي على التقدم ومواصلة الهجوم، لكن دفاع الپیشمرگة كان قوياً جداً وبعيداً عن توقعات قادة الجيش، حيث اضطر الى اصدار أمر بالانسحاب إلى منتجع بيرمام، من أجل كسر خط دفاع الپیشمرگة والوصول إلى شقلاوة بخطة أقوى وهجوم آخر أقوى على كوري (قادر، ٢٠٢٢، ٨٠).
وعندما سجلت قوات الپیشمرگة انتصاراً كبيراً على الجيش العراقي، تلقت الپیشمرگة معلومات تفيد بأن الجيش العراقي يخطط لمهاجمة مواقع كوري مرة أخرى. وكثفت القيادة الكوردية، وخاصة مسعود بارزاني رئيس الحزب الديمقراطي الكوردستاني، الذي كان يقود الجبهة الكوردستانية أيضاً، جهودها لإعادة تنظيم جبهة القتال أو خط الدفاع، ولهذا دعا قيادة أحزاب الجبهة الكوردستانية إلى إعادة قواتها إلى جبهات القتال وتوزيعها على خطوط دفاع، لمنع النظام من التقدم ووضع حد لحرب الاستكبار والغطرسة التي يشنها، ووسط هذه الدعوة فقد تمت اعادة بعض قوات پیشمرگة تلك الأحزاب.
في ٩ نيسان ١٩٩١، وبناء على اقتراح قائد الپیشمرگة حسن نجار، الذي كان صاحب فكرة الهجوم المضاد، لإثبات قوة الپیشمرگة وقدرتها على الهجوم، ليس فقط الدفاع، ولكن أيضاً إعطاء دفعة لرفع معنويات الپیشمرگة، بأن قوات العدو ليس كثيراً بحيث لا تستطيع الپیشمرگة هزيمتها.
ولتنفيذ هذا الهجوم، قام حسن نجار بتقسيم قواته إلى ثلاث مجموعات:
المجموعة الأولى كانت قوة إسناد مكونة من السيد فاخر وخالد أنور والسيد إسكندر ومهمتها قصف قواعد ووحدات الجيش العراقي قبل مهاجمتها.
أما المجموعة الثانية بقيادة زينل أحمد، فقد كلفت بمهاجمة الربايا ذات الموقع الاستراتيجي على الجانب الأيمن من الجيش، أما المجموعة الثالثة فكانت بقيادة حسن نجار نفسه وتم تنفيذ الخطة كما هو مخطط لها.
واستخدم في الهجوم مدفع عيار ١٠٦ ملم، مما لعب دوراً كبيراً في إضعاف معنويات جنود الجيش العراقي، حيث قصف قواعد الجيش ومقراته بشكل مكثف جداً، وصلت حملة الپیشمرگة الهجومية إلى مشارف الجيش العراقي وكانت العملية ناجحة للغاية، لم يكن الغرض من هذا الهجوم استعادة الأراضي المفقودة، بل كان تكتيكاً للحرب ولإظهار قوة وسلاح الپیشمرگة. وتكبد الجيش العراقي خسائر فادحة في هذا الهجوم، في حين نجت الپیشمرگة دون أن يصابوا بأذى (قادر، ٢٠٢٢، ٩٢-٩٣).
الهجوم الثاني:
كان الجيش العراقي ينفذ خطته لكسر خط دفاع الپیشمرگة في مرتفعات ناحية كوري، وللمرة الثانية بتاريخ ١١ نيسان ١٩٩١ اجتمع جميع ضباط الألوية وجربوا حظهم وقاموا بهجوم واسع على مواقع الپیشمرگة، وعندما تلقت قوات الجبهة الكوردستانية معلومات عن الهجوم عبر ضابط كوردي في الجيش، اجتمع كبار مسؤولي قيادة الاحزاب بقيادة مسعود بارزاني في قرية حوجران القريبة من كوري وأعادوا تنظيم جبهة القتال وقسموا الجبهات بين الأطراف:
وأوكلت الجبهة الشرقية لدربندي كوري إلى قوات الاتحاد الوطني وحزب الكادحين وحزب الشعب.
وأوكلت الجبهة الغربية لقوات الحزب الديمقراطي والحزب الشيوعي والحركة الإسلامية والحزب الاشتراكي وحزب الله (سيد كاكه، ١٩٩٧، ٢٥٦).
وبحسب خطة الهجوم الثاني على مواقع الپیشمرگة، بتاريخ ١١ نيسان ١٩٩١، الساعة ٤:٤٥ صباحاً، شن الجيش قصفاً مكثفاً على مواقع الپیشمرگة، ثم اقترب من مواقع الپیشمرگة بقوة كبيرة مدعومة بالدبابات والمدرعات، في البداية، اختبأ الپیشمرگة كما هو مخطط له حتى اقتربت قوات الجيش تماماً، مما صدم الضباط والجنود بعدم وجود دفاع، ولكن عندما اقتربت الدبابات والمدرعات من سفح الجبل، جوبهت فجأة بجميع أنواع الأسلحة وتمت مهاجمتهم بوابل من الرصاص و أشعلوا النار في قوات العدو، كان الجيش العراقي في حيرة من أمره، وتم تحطيم الدبابات والمدرعات وقوة الخطوط الأمامية بالكامل، وكان جنود اللواءين ٤١٢ و٧٨ في عجلة من أمرهم للرجوع وتركا قتلاهما في ساحة المعركة على جانب الطريق (قادر، ٢٠٢٢، ٢٠٢٢). ٨٦-٨٧).
في البداية، كان هجوم الجيش ناجحاً إلى حد ما في مرتفعات الجانب الغربي للمنطقة، وبعد استشهاد وجرح عدد من پیشمرگة قوات بارزان، سقطت عدة أماكن في أيدي قوات النظام، ومع ذلك، فإن معظم الپیشمرگة على خط المواجهة لم يتركوا مواقعهم، وكانوا يقاتلون وكانوا مبعث الأمل لهجوم مضاد واستعادة المواقع المفقودة، ثم وصلت قوات أخرى مساندة لكافة الأحزاب بأمر من مسعود بارزاني رئيس الجبهة الكوردستانية إلى ساحة المعركة، وتسلقت مرتفعات أرماوان وأماكن أخرى، وتمكنت في وقت قصير من استعادة الأماكن التي كانت قد سقطت في أيدي الجيش. ولعبت مجموعة من الپیشمرگة بقيادة حسن نجار التي كانت تمتلك مدافع عيار ١٠٦ ملم ومدافع هاون وبي كي سي وقناصة دوراً فعالاً في هزيمة صفوف الجيش وتحطيم الدبابات والمدرعات (عمر عثمان، ٢٠٠٨، ١٧١-١٧٢). تعرض الجانب الغربي من كوري في الغالب للهجوم، ولم يتعرض الجانب الشرقي للهجوم باستثناء تلة واحدة بالقرب من الطريق الرئيسي سقطت في البداية في أيدي الجيش لكنها تعرضت للهجوم مرة أخرى فيما بعد وتم طرد قوات النظام منها (سيدكاكه، ١٩٩٧، ٢٥٧).
ومن الجدير بالذكر أن الپیشمرگة سجلت انتصاراً كبيراً وتاريخياً في هذا الهجوم، وقد خاب أمل النظام العراقي في الحلم الذي كان يحاول تحقيقه، ولم يتمكن من تحقيق هدفه والسيطرة على خط دفاع الپیشمرگة والوصول إلى مناطق أخرى. وانزعج الجنود والضباط من الضجيج والنيران والرصاص، لكنهم فضلوا الاختباء عند مصب النهر، ولذلك فشلوا وخيبوا آمال الجيش العراقي تماماً في تحقيق النصر والوصول إلى المناطق التي خططوا لاحتلالها، واضطروا إلى التراجع وتكبدوا خسائر وإصابات في صفوف جنودهم. كما سقط عدد من الدبابات والمدرعات والأسلحة الثقيلة في أيدي الپیشمرگة. وبعد أن اقتنعت الحكومة بأنها لم تعد قادرة على التقدم بقواتها لاحتلال أجزاء أخرى من كوردستان، أعلنت وقف إطلاق النار وبدأت المفاوضات لحل القضية الكوردية (عمر عثمان، ٢٠٠٨، ١٧٢).
اسباب هزيمة الجيش العراقي في معركة كوري
ورغم أن الپیشمرگة والجيش العراقي كانا غير متساويين إلى حد كبير من حيث القوة والأسلحة والقدرات العسكرية، إلا أنه مع عدد قليل من قوات الپیشمرگة تمكنت من مقاومة الجيش العراقي، حيث دحر هجومين كبيرين، ومن الواضح ان انتصار الپیشمرگة أو هزيمة الجيش في هذين الهجومين تعود لعدة اسباب:
١- دور القائد: القائد هو عماد القوة الرئيس، خاصة في الحرب، فهو يتخذ القرارات بشجاعة ومهارة ومعرفة، ويفوض الواجبات والمسؤوليات إلى مرؤوسيه الذين يجيدون حملها ويثقون بها في جميع الظروف.
وكان دور مسعود بارزاني كرئيس للجبهة الكوردستانية في معركة كوري، والذي كان على دراية بجبهة المعركة عن كثب، مهماً جداً لأنه كان لديه خطة لكل المستجدات والمخططات (قادر، ٢٠٢٢، ١٠٢). وكان على تواصل دائم مع قادة الأطراف السياسية (دولمري، ٢٠٢١، ٢٩٨). كما لعب دوراً غير مسبوق في تجميع قوات الپیشمرگة التابعة للأحزاب في الجبهة الكوردستانية وتوزيعها على ساحات القتال بهدف تعزيز خط الدفاع ومنع تقدم الجيش، كما كان للتواجد المباشر والإشراف على القتال أثر كبير على رفع معنويات الپیشمرگة، خاصة في الموقف الذي جاء فيه (إما أن يعود العدو إلى كوردستان على أجسادنا وإلا فلن نخضع مرة أخرى) (قادر، ٢٠٢٢، ١٠٢). ).
٢- الموقع الجغرافي: يلعب الموقع الجغرافي لكل منطقة دوراً مهماً في النزاعات المسلحة، دائماً ما يعتبر القادة العسكريون والقوات المسلحة المطلعون على الخطط الحربية أن الموقع الجغرافي مهم لنجاح التخطيط للمعركة والمواجهة، وكان كوري وهو ممر ضيق تحيط به الجبال الوعرة، عاملاً قوياً في انتصار الپیشمرگة في هجومين واسع النطاق للجيش مدعوماً بالدبابات والمدفعية والمدرعات والإمكانيات اللوجستية الكبيرة، مقارنة بقوة الپیشمرگة الصغيرة والأسلحة والعتاد المحدود، ولكن تجربة غنية بالأنشطة والمواجهات في الجبال والوديان والتلال العالية التي كانت دائماً السند والدعم للپیشمرگة، من ناحية أخرى، كان من الصعب على الجيش العراقي التغلب على الپیشمرگة في منطقة جبلية وعرة (قادر ٢٠٢٢، ١٠٣).
٣- المعنويات العالية للپیشمرگة: إن المعنويات العالية التي يتمتع بها الپیشمرگة وإحساسهم بالمسؤولية الوطنية والقومية والتضحية في سبيل الدفاع عن الأرض والوطن، كانت عاملاً قوياً آخر من عوامل انتصار الپیشمرگة، مع انه أقلية صغيرة، لكنها تمكنت من الحاق الهزيمة بعدد لا يحصى من الجيوش المسلحة في هجومين كبيرين، بينما لقنتها درساً سيكون من الصعب عليها المحاولة مرة أخرى، بل عليها أن تلجأ إلى المفاوضات والحلول السلمية لحل المشكلات (عمر عثمان، ٢٠٠٨، ١٧٢).
النتائج وتداعيات ملحمة كوري:
إن إعادة تنظيم وتعزيز خط الدفاع كان العامل الأساس في نجاح قوات الپیشمرگة في التصدي لهجومين واسعي النطاق للجيش العراقي الذي انطلق من كركوك بقوة كبيرة وقدرة عسكرية وصولاً الى كوري، إلا أن الجيش العراقي مني بهزيمة كبيرة لدرجة أنه لم يهاجم مواقع الپیشمرگة مرة أخرى (سيدكاكه، ١٩٩٧، ٢٥٦).
فشل الجيش العراقي في تحقيق حلمه في إعادة احتلال كافة أجزاء كوردستان الأخرى وقمع الانتفاضة الكوردستانية، مثل الانتفاضة في جنوب العراق (عمر عثمان، ٢٠٠٨، ١٧٣).
اعتماد الحلول السلمية والدبلوماسية كالحوار والمفاوضات مع أطراف الجبهة الكوردستانية لإيجاد حل للمشكلات، حيث قامت وفود من الأحزاب السياسية بزيارة بغداد عدة مرات وأجرت محادثات مع قادة البعث (عمر عثمان، ٢٠٠٨، ١٧٣). نظراً لمجازفة قادة النظام العراقي والتهرب من الحلول الاساسية، فشلت الجهود ولم تسفر المفاوضات عن أي نتائج إيجابية (قادر، ٢٠٢٢، ١٢٣).
قرار الأمم المتحدة رقم ٦٨٨ الذي يدين النظام العراقي لقمع وإبادة المدنيين في العراق، وخاصة المواطنين الكورد، وكذلك توفير منطقة آمنة فوق خط عرض ٣٦ وتقديم المساعدة الفورية للمناطق، وذلك بجهود ومقترحات الحكومة الفرنسية في مجلس الأمن (مام جلال ٢٠١٧، ١٩٠).
وعندما تم تعيين خط عرض ٣٦ كحاجز حدودي أمام تهديدات النظام البعثي في كوردستان، وقد سحبت بغداد مؤسساتها الإدارية من أربيل والسليمانية ودهوك وكرميان في ٢٤ تشرين الثاني ١٩٩١، مما خلق فراغاً إدارياً لتمشية أمور المواطنين (قادر، ٢٠٢٢، ١٣١). ولسد هذه الفجوة وحل هذه القضية، قررت الجبهة الكوردستانية إجراء انتخابات برلمانية في كوردستان، أجريت في أجواء سلمية وحرة في ١٩ أيار ١٩٩٢، وتم بعد ذلك تأسيس حكومة إقليم كوردستان (بارزاني، ٢٠٢٠، ٤٥ ).
وأصبح إقليم كوردستان ملجأ لكثير من الضحايا والمناضلين والأحرار من أبناء العراق وقوى المعارضة التي تحكم البلاد اليوم (بارزاني، ٢٠٢٠، ٤٥).
المصادر:
١- مەسعود بارزانى، بارزانى و بزووتنەوەى ڕزگاریخوازى کورد، بەرگى چوارەم، بەشى دووەم، چاپى یەکەم، (چاپخانەى ڕۆکسانا- ٢٠٢١).
٢- مەسعود بارزانى، بۆ میژوو، چاپى سێیەم، (چاپخانەى ڕوکسانا- ٢٠٢٠).
٣- چارلز تریب، مێژووى عێراق، وەرگێڕان: محەمەد حسێن ئەحمەد و عەبدولقادر کەلهور، پێداچوونەوە: د. محەمەد عەبوڵڵا کاکەسور، چاپى سێیەم ، (چاپخانەى ڕۆژهەڵات- هەولێر – ٢٠١٣).
٤- میرزا ابراهیم قادر، داستانى کۆڕێ شانازیى نەتەوەیەک، (چاپخانەى ڕۆکسانا- هەولێر- ٢٠٢٢).
٥- غازى عادل گەردى، پێشمەرگەیەک لە خزمەت ڕێبازى بارزانیدا- حجى بیڕۆخى، بەرگى دووەم – چاپى دووەم، )تورکیا – ٢٠٢١(.
٦- عومەر عوسمان، ژیانى کوردێک، بەرگى یەکەم و دووەم، چاپى دووەم، (چاپخانەى موکریانى – ٢٠٠٨(.
٧- عەزیز محەمەد، کنەکردن لە یادەوەریدا، چاپى یەکەم، (هەولێر – ٢٠٢٤).
٨- نورى حەمە عەلی، مێژووى تیکۆشانى پێشمەرگەیەک لە نێوان ژیان و مەرگدا، چاپى دووم، (هەولێر- ٢٠١٦).
٩- سەید کاکە، بیرەوەرى پێشمەرگەیەک، چاپى یەکەم، (چاپخانەى وەزارەتى ڕۆشنبیرى، ١٩٩٧).
١٠- محەمەد عەلى ئیسماعیل، بیرەوەریەکانم، حەفتا ساڵ تەمەن و زیاتر لە نیو سەدە خەبات، چاپى یەکەم، ٢٠١٩.
١١- حاجى میرخان دۆڵەمەرى، گەڕان بە دواى دادپەروەریدا، بەرگى دووەم، چاپى دووەم، کوردستان- ٢٠٢١.
١٢- مام جەلال، دیدارى تەمەن، ئامادەکردنى سەلاح ڕەشید، بەشى دووەم، چاپى یەکەم، (چاپخانەى کارۆ، ٢٠١٧).
١٣- شیمال زێبارى، هندەک ڕاستیێن ڤەشارتى د شۆڕشا گوڵانێدا، چاپى یەکەم، (چاپخانەى ڕۆژهەڵات، هەولێر-٢٠١٥).