دأبت الحكومة العراقية على استخدام الذرائع ومحاولة ايجاد وسائل النوايا الخبيثة منذ منتصف كانون الأول ١٩٦٤، واعتقال وتعذيب الناس في بلدات ومدن كوردستان بحجة اثارة الفوضى... وفي الوقت نفسه، كانت هناك حركة للجيش، وفي أوائل عام ١٩٦٥ بدأت العلاقات بين قيادة الثورة الكوردية والحكومة تتعقد وتتدهور، وحتى المستجدات تشير إلى أن عبدالسلام عارف كان قد تراجع عن بنود وقف إطلاق النار الموقعة في شباط ١٩٦٤ ويحاول إيجاد ذريعة لاستئناف الحرب، وللتأكيد على ذلك يمكن الرجوع إلى كلام صحافي أجنبي زار كوردستان بعد شهر من وقف إطلاق النار، حيث قال: "لم أرَ أي شىء غير الخراب والدمار" واضاف قائلاً "لقد تم قصف جميع القرى الواقعة على طول الطرق الرئيسة في السليمانية وإحراقها بقنابل النابالم حتى تحولت إلى غبار ورماد، وفي غضون خمسة أشهر تم تدمير ٣٠٠٠ قرية".
دعا الحزب الديمقراطي الكوردستاني إلى إضراب عام في كوردستان بمناسبة مرور عام على وقف إطلاق النار، على الرغم من أن الإضراب حقق نجاحاً كبيراً في العديد من المدن والبلدات الكوردية، وفي أواخر آذار ١٩٦٥ فرض الجيش العراقي الحرب مرة أخرى على كوردستان، معتقدون أن التشرذم السياسي والعسكري للحزب الديمقراطي الكوردستاني وثورة كوردستان هو الوقت المناسب لفرض حرب من شأنها زيادة فرص انتصارهم.
وخططت الحكومة العراقية لإخراج جبل سفين من أيدي قوات الپیشمرگة، لأنه من خلال الاستيلاء على الجبل للقضاء على التهديد الذي يواجهه على طريق أربيل - رواندز العام، والذي كانت قواتها تقع دائماً في كمين لقوات الپیشمرگة، ومن ناحية أخرى، كان من الممكن إخراج قوات الپیشمرگة من سهل أربيل، حيث لعب السكان دوراً فعالاً في توفير الغذاء والإمدادات للپیشمرگة، ويجب انْ يقال انّ الطريق بين اربيل - شقلاوة يمتد حتى رواندز، وهو الطريق الرئيس لمعسكر سبيلك وحامية رواندز وعشرات مراكز الشرطة، والذي ينبغي أن يبعد المخاطر عنها. ومن أجل القضاء على هذه التهديدات قام الجيش العراقي بإجراء الاستعدادات الكاملة لمهاجمة الجبل وضرب أهدافه، وقام الجيش العراقي بحشد عدد كبير من الوحدات العسكرية من الفرقة الثانية في المنطقة، بما في ذلك اللواء الأول، اللواء ١٤، اللواء ١٥، لوائي ٢٠،٩. ومن المثير للاهتمام أن نلاحظ أن الاستيلاء على جبل سفين وإزالة أنشطة الپیشمرگة كان متعمداً من قبل المسؤولين العسكريين الحكوميين، لدرجة أن الرئيس عبد السلام عارف نفسه جاء إلى شقلاوة لزيارة جبهات القتال.
وكانت المعلومات تصل الى مسؤولي الپیشمرگة عن هذه التحركات العسكرية للجيش العراقي عبر تنظيمات الحزب الديمقراطي الكوردستاني، كما وردت أنباء عن وصول نحو ٣٠ ألف مسلح مرتزق من منطقة سوران وبادينان، وكانت معركة سفين معركة كبرى غطت جبهة كبيرة في منطقة كويه باتجاه مضيق گومسبان وسفين ومنطقة شقلاوة بإتجاه جبل هورى وزينتير، في المقابل كانت قوات ثورة كوردستان في جبل سفين تتألف من نحو ١٠٠٠ پیشمرگة من قوة سفين و٣٠٠ پیشمرگة من قوة سهل أربيل وقوة بيتواته،
الجدير بالذكر تمت الأستعانة ببعض الوحدات القتالية المصرية المتمركزة حول بغداد للمشاركة في القتال.
وأمام هذه القوة الكبيرة من الجيش العراقي كانت حماية المنطقة من مسؤولية قوة سفين، حيث كانت تلك القوة تتكون من القائد العام للجبهة رشيد سندي وقائد القوة الملازم طاهرعلي والي ومقرها ناحية هيران، الفوج الثالث بقيادة واحد كويخا عزيز، الفوج الثاني بقيادة الملا غريب، الفوج الثالث بقيادة مام برايم كاكو، وكان فوج سهل أربيل بقيادة فارس باوه، وانقسمت جميع هذه القوات على أربعة محاور: المحور الأول في قرية زيارت، والمحور الثاني في سرميدان، والمحور الثالث في سري رش، والمحور الرابع في حجران.
بدأ الهجوم الأول للجيش العراقي ليلة ١٢-١٣ نيسان ١٩٦٥، عندما استولى على كپكي سور ثم قام لمدة ثمانية أيام متواصلة بقصف جبل سفين من جميع جبهات الجيش العراقي، بدأ هجومهم الأكبر على جبل سفين في ٢١ نيسان ١٩٦٥، على جبهتي کومسبان وزيارت، وفي الوقت نفسه، شن الجيش العراقي هجمات من أجل زيادة الضغط على الجبهة ومنع قوات الپیشمرگة من الوصول إلى سفين، حيث لم يتمكن من إحراز تقدم و استخدم مجموعة مختلفة من الأسلحة والذخائر والطائرات والدبابات والمدرعات، ومع ذلك فقد تعرضت لفشل كبير، مما اضطر الحكومة إلى إعادة النظر في خططها السابقة، ولهذا الغرض اخترعت شيئاً جديداً بمنح مكافأة (مالية) للاستيلاء على كل قمة وارتفاع وسلسلة جبلية، وكان السعر يتحدد حسب القساوة والصعوبة والأهمية الإستراتيجية للموقع، وعلى سبيل المثال، فقد وافق رئيس المرتزقة المأجورين زيرو هركي كمتعهد مع الحكومة على استعادة جبل سفين من الپیشمرگة مقابل ٢٠ ألف دينار، وفي نفس المعركة وافق سعيد طه زيباري على الاستيلاء على قمة کروته، الموقع الحصين والاستراتيجي على جبل سفين مقابل ١٠٠٠٠ دينار، ورغم أن هذه الخطة الحكومية أثرت على إطالة أمد المعركة، إلا انه في النهاية كان مصير هذين المأجورين القتل.
استمرار الهجمات والقصف على مواقع الپیشمرگة والمرتزقة وتغير خطط الجيش العراقي، في المقابل، كان الوضع العام للپیشمرگة صادماً من حيث الأسلحة والذخائر والخسائر البشرية وسوء الحالة الصحية للجرحى. كما أنه وبسبب صعوبة الجبل لم يكن من السهل على الپیشمرگة الوصول إلى المواد الغذائية والذخيرة والمستلزمات الطبية، مما جعل من الصعب البقاء والدفاع عن الجبل، فقرر قادة الپیشمرگة التراجع لفترة، وكانت خسائر الجيش العراقي في معارك جبل سفين ١٥٤ قتيلاً و٣٤٨ جريحاً و٣٢ أسيراً، واستشهد ٢٢ پیشمرگة من قوات ثورة كوردستان وجرح ٨٦ آخرين.
وبصورە عامة فإنّ معركة جبل سفين مهمة، لأنها أطول معركة في تاريخ ثورة ايلول استمرت من ١٢ نيسان إلى ١٧ تموز ١٩٦٥ التي استمرت ٩٥ يوماً، حيث استخدم الجيش العراقي فيها كافة انواع الأسلحة البرية والجوية ضمن الأسلحة الحديثة، وكان عدد الپیشمرگة في ساحة المعركة أكثر من ١٠٠٠، لكن عدد الجنود والمرتزقة وصل إلى ٤٠٠٠٠، ورغم خسارة قوات الثورة الكوردستانية لجبل سفين بسبب هذه المعركة غير المتكافئة، فإن تقليل عدد الضحايا والخسائر أو التراجع اثناء الحرب يعتبر احياناً انتصاراً.
المصادر:
١- شوان محەمەدئەمین تەها خۆشناو، هەولێر لە نێوان ساڵانى ١٩٦٣ – ١٩٧٠، (چاپخانەى زانکۆى سەڵاحەددین- هەولێر- ٢٠١٦).
٢- کریس کۆچێرا، کورد لە سەدەى نۆزدەو بیستدا، و: حەمە کەریم عارف، چاپى چوارەم، (خانەى چاپ و بڵاوکردنەوەى ئاوێر- ٢٠٠٧).
٣- هاوکار کەریم حمە شریف، شۆڕشى ئەیلوول، چاپخانەى زانکۆى سەڵاحەددین، (هەولێر- ٢٠١٢).
٤- محەمەد مەلا قادر، سەربردە – کورتەیەک لە بیرەوەرییەکان، (بڵاوکراوەى ئاراس- هەولێر- ٢٠٠٩).
٥- عصمت شریف وانلي، كردستان العراق هوية وطنية (دراسة في ثورة ١٩٦١)، ت: سعاد محمد خضر، مطبعة شڤان، السلیمانیة، ٢٠١٢.
٦- خورشید شێرە، خەبات و خوێن، چاپى سێیەم، چاپخانەى حاجى هاشم، هەولێر، ٢٠١٥.