ملحمة سرى- جبل آكري ١٩٦٢

اندلاع ثورة أيلول واحتدام الاحتجاجات الكوردية ضد نظام عبد الكريم قاسم الذي تراجع عن وعوده (١٩٥٨-١٩٦٣)، أدى إلى وقوع عدة مدن وبلدات جنوب كوردستان في أيدي البشمركة في غضون بضعة أشهر، وإدارتها من قبل الثورة. و بعد سيطرة قوات البيشمركة الكوردستانية على مناطق بريفكان و أتروش و شيخان و مقلوب و مناطق الأيزديين و مناطق عشيرة كوران، إلى منطقة آكري حيث تجمع عدد كبير من العملاء(جاش) وتسببوا في أعمال عنف و صداع لأهالي المنطقة. بالإضافة إلى ذلك، أرادت القيادة توسيع نشاط الثورة إلى جميع أنحاء كردستان.


تمكنت قوات البيشمركة في حملة توسيع دائرة الثورة في مناطق مختلفة من كوردستان من السيطرة على سهل نهلة وقرى منطقة زيبار وقضاء دينارتا إلى (سري – جبل) آكري و وادي بيخمة.  ولم يستطع وجود فوج للشرطة وسط ناحية نهلة مقاومة البيشمركة، ولم يساعدهم الجيش فاضطروا للفرار إلى آكري. و غادر جميع الأجهزة الإدارية والعسكرية والشرطة و عملاء الحكومة (جاش) المنطقة  ولجأوا إلى آكري. لم يكن هناك سوى عدد قليل من الاشتباكات في (سري-جبل) آكري، والتي كان لها تأثير ضئيل على تقدم البيشمركة. إلا أن الطائرات الحربية قصفت قوات البيشمركة مما أسفر عن استشهاد ٨ من البيشمركة.

و لتنظيم جبهات القتال وإدارة المنطقة، أمر قائد الثورة البارزاني، بتعيين حسن ميرخان دولمري قائدا لقوات شيخان وآكرى الذي أقام مقره في كهف (شرمن) و  بلغ عدد جيشه ٤٠٠ من البيشمركة لأن الثورة كانت الأمل الوحيد لتحرير الوطن. لذلك، اتصل عدد كبير منهم بالثورة شيئا فشيئا وحملوا سلاح البيشمركة. كما تم تعيين ملاشني بيداروني وعمر آغا دولمري كرئيسين (لسري-جبل) آكري، وبعد ذلك غادر البارزاني وقواته إلى سوران.

من شهر نيسان ١٩٦٢ إلى تموز من نفس العام، استمرت المعارك اليومية في (سري- جبل) آكرى وحولها. و خلال هذه الفترة، أصبحت المنطقة معقِلا للعديد من الملاحم العظيمة ودفاع البيشمركة عن إنجازات الثورة من سري-جبل آكري إلى وادي زنتا و كهف شرمن وصولا إلى محيط مريبا وبريفكان وباعدري ومحيط دهوك. التي كانت تتعرض يوميا للغارات الجوية و لهجمات الجيش والعملاء (جاش).

في يوم الخميس ٣ آذار ١٩٦٢، قامت قوة كبيرة من الجيش والشرطة المتنقلة  و ٢٠٠٠ من العملاء (جاش) من عشائر هركي و سورجي و زيباري، تدعمهم (١٢) عربة مصفحة تحت نيران المدفعية وقصف طائرات ميغ وجميع أنواع الأسلحة، بمهاجمة مواقع البيشمركة قرب قرى خربة وشوش وشرمن وبكرمان في محيط آكري، وأضرموا النار في قرية سماقوك ومحيطها، ما أسفر عن استشهاد نحو ١٠ مدنيين ونساء وأطفال. لكن بسبب الكشف عن خطتهم من خلال البرقية والاتصالات الحكومية مع قادتهم العسكريين، تمكنت البيشمركة من مواجهتهم و قتل عدد كبير منهم وهزيمة هجومهم وإعادتهم إلى أماكنهم السابقة.

من الواضح أن الحكومة كانت تنوي الوصول إلى منطقة بارزان ورسم الحدود بين سوران وبادينان وفصلهما عن بعضهما البعض. كما كان يعتقد أن مفتاح الوصول إلى بارزان هو سري-جبل آكري و وادي زانتا إلى بخمة، حتى يتمكن من توجيه ضربة قاتلة للثورة وتعطيلها. ولكن لم يفشل فقط في تنفيذ خطته والوصول إلى الجبال والتلال والوديان في المنطقة؛ بل تعرض أيضًا لخسائر فادحة.  لدرجة لم يكن لديهم حتى الشجاعة لمحاربة البيشمركة مرة أخرى. لذلك لجأوا إلى قصف مواقع البيشمركة وقرى المنطقة لتعويض إخفاقاتهم. و بالإضافة إلى القتال والدفاع عن نفسها نظمت قوات البيشمركة مفارز فدائية. و هاجمت القوافل والمقرات في أعماق الحكومة.

وكان من بين العمليات الفدائية الهجوم على قلعة آكري، حيث قرر القائد (الملا شنى بيداروني) تجهيز كل قوة (٣) من البيشمركة للقيام بالعملية. و بعد وصولهم إلى المكان المقصود، حاصروا القلعة لتبدأ معركة استمرت ست ساعات من الساعة ١٠ مساءً حتى ٤ صباحًا، لكن البيشمركة عادوا إلى مكانهم قبل الفجر.

في يوم الخميس الموافق ١٠ أيار ١٩٦٢، من الصباح الباكر وحتى وقت متأخر من المساء، قصفت قاذفات وطائرات هجومية مواقع البشمركة حول قرى وادي نهلة وشوش وشرمن وكوندك وباكرمان بشكل مكثف. ما ألحق أضرارا جسيمة بقرى المنطقة وأدى إلى استشهاد ٣ من البيشمركة وجرح ٧ آخرون.

نتيجة هذه المعارك، كانت الأضرار التي لحقت بالدولة كبيرة لدرجة أن جثث عشرات الجنود تركت في ساحة المعركة وسقطت في أيدي البيشمركة. لذلك انهارت معنويات الجنود و ضعفت قدراتهم الدفاعية بشكل كبير.

في ٨ شباط ١٩٦٣ أطاح البعثيون بقيادة عبد السلام عارف بحكومة عبدالكريم قاسم، وتوقف القتال لمدة ثلاثة أشهر وبدأت المفاوضات بين الثورة والبعثيين، لكن دون أي نتائج إيجابية. بل استأنفت الحكومة العراقية هجماتها على مناطق الثورة في ١٠ حزيران ١٩٦٣، لكن هذه المرة أعد الجيش العراقي نفسه لمحاربة الكورد بتقنية مختلفة وخطة أكثر تدميراً، وتمثلت خطتهم في طلب المساعدة من الدولة السورية على عبور الحدود حتى يتمكنوا من إنهاء الثورة الكوردية في وقت قصير.

وبحسب اتفاق بين البلدين، دخل ٤٠٠ جندي من قوة اليرموك السورية بقيادة سرهنك فهد الشاعر كوردستان وأقاموا مقرهم في زاخو وشاركوا في العمليات العسكرية على مناطق الثوار في آكري وأماكن أخرى. فبدأوا بهجومً واسع على مواقع البيشمركة، وقرر البيشمركة القتال تحت عنوان البقاء أو الفناء. و استطاع أن يوجه إليهم ضربات قاتلة و أجبرهم على التراجع.

لكن بعد أسبوع شنوا هجومًا آخر أوسع و واصل البيشمركة الدفاع، رغم أن جيشي البلدين كان بهما ٩٦ قتيلاً من الجنود والعملاء (جاش) و ١٣٢ جريحًا وعددًا من الأسرى. و بلغ عدد الشهداء (٥) و (١٧) جرحى في صفوف قوات البيشمركة. لكن بسبب نقص الذخيرة وإرهاق البيشمركة في المعارك في الأشهر القليلة الماضية، إضافة إلى مراعاة مصالح المواطنين بعدم تعرضهم للضرر أكثر من جهة، كان من الصعب للغاية محاربة جيوش الدولتين في نفس الوقت من جهة أخرى، قررت قوات البيشمركة التراجع إلى مرتفعات سري-جبل آكري و تعزيز مواقعهم في جبل بيرس و إقامة خط دفاع قوي.


المصادر:

١- مسعود بارزانی، بارزانی و بزوتنەوەى ڕزگاریخوازی کورد، بەرگی سێیەم، بەشی یەکەم، شۆڕسی ئەیلوول ١٩٦١-١٩٧٥، چ: یەکەم ٢٠٠٤.

٢-  شەوکەت مەلا ئیسماعیل حسن، ڕۆژانێ لە مێژووى شۆرشى ئەیلوول، چاحى یەکەم، هەولێر، ٢٠٠٧.

٣-  غازى عادل گەردى، پێشمەرگەیەک لە خزمەت ڕێبازى بارزانیدا حەجى بیڕۆخى، بەرگى یەکەم چاپى دووەم، تورکیا، ٢٠٢١.

٤- هۆژین مەسعود سەرنى، شورەشا ئیلونێ ل دەڤەرا بەهدینان ١٠٦١- ١٩٧٥، چاپى یەکەم، ٢٠١٨.

٥- وەلى زبێر هۆستانی، چەند ڕووداو و بەسەرهاتێک لە شۆرش و ڕاپەڕینەکانى بارزاندا، چ: یەکەم، چاپخانەى ڕۆژهەڵات، هەولێر، ٢٠١٧.

٦- ئارى کەریم، چەند لاپەڕەیەکى زیندوو لە شۆرشى ئەیلوولدا، چاپخانەى خەبات، دهۆک ١٩٩٩.

٧- ئیبراهیم جلال، باشووری كوردستان و شۆڕشی ئه‌یلوول، بنیاتنان و هه‌ڵته‌كاندن، ١٩٦١-١٩٧٥.چاپی چواره‌م، ٢٠٢١.                    

٨-حاجى میرخان دۆڵەمەرى، گەڕان بەدواى دادپەروەریدا، بەرگى یەکەم، چاپى دووەم، چاپخانەى اسراء، تاران، ٢٠٢١.


مقالات ذات صلة

معركة منطقة سنديا ١٩٨٧

اندلع هذا القتال نتيجة لهجوم واسع النطاق من قبل الجيش العراقي مدعوماً بالدبابات والمدفعية والطائرات الحربية والمرتزقة المأجورين على منطقة سنديا، وتصدت قوات پیشمرگة كوردستان للقوات الحكومية في ٥ نيسان ١٩٨٧ لحماية المنطقة من الدمار وتخريب القرى، وانتهت المعركة بانتصار قوات الپیشمرگة وهزيمة القوات العراقية.

مزيد من المعلومات

معركة گلنازکى١٩٨٤

وقعت معركة گلنازکى في ٢٤ آب ١٩٨٤ اثناء مواجهات بین قوات الپیشمرگة مع قوة كبيرة من الجيش العراقي والمسلحين المأجورين، بدعم من الدبابات والمدافع والطائرات الحربية، حيث قامت حكومة الابعث بهجوم على عدة مناطق في زاخو بمنطقة بهدينان، وبعد ثمانية ايام من الهجمات والمداهمات المستمرة، منيت القوات الحكومية بهزيمة نكراء مخلفة ورائها خسائر بشرية ومادية كبيرة.

مزيد من المعلومات

معركة سورداش وعدة مناطق تابعة للسليمانية١٩٦٩

عندما استولى البعثيون على السلطة في العراق للمرة الثانية، كان أحد مخططاتهم العدوانية هو إنهاء الثورة الكوردية. ولتنفيذ أجندتهم شنّوا في عام ١٩٦٩ حملة هجومية واسعة على مناطق ثورة أيلول، وذلك بالتعاون والدعم من زمرة المكتب السياسي القديم، لكن قيادة الثورة بخطة وتنظيم محكمين، تصدت لهم وأفشلت جميع خططهم العسكرية.

مزيد من المعلومات

معركة سيناوە و بردینا ١٩٦٣

وقعت معركة سيناوه وبردينا في صيف عام ١٩٦٣ بين قوات پيشمرگة كوردستان والجيش العراقي مدعوماً بالأسلحة الثقيلة والقصف المدفعي والقصف الجوي في منطقة سپييلك غرب بلدة خليفان، وذلك عندما حاولت الحكومة العراقية السيطرة على منطقة بارزان، وبعد معركة حامية واستشهاد ٨ من الپيشمرگة، تم اتخاذ قرار بانسحاب قوات الپيشمرگة من تلك المواقع.

مزيد من المعلومات

معركة رواندوز ١٩٦٥

حدثت هذه المعركة في صيف عام ١٩٦٥ في جبل كورك ورواندوز وسهل ديانا، كان هدف قيادة الثورة من هذا الهجوم هو السيطرة على جبل كورك ووادي علي بگ، كرد فعل على هجمات الجيش العراقي المتواصلة على زوزك وهندرين وأماكن أخرى للضغط على قيادة الثورة في منطقة بالكايتي.

مزيد من المعلومات