ملحمة جبل متين ١٩٦٣

متين من جبال كوردستان الوعرة في منطقة بادينان التابعة لناحية أميدي، وكانت منطقة مهمة واستراتيجية لربط بارزان وبادينان لذلك هاجمت الحكومة العراقية مرارًا وتكرارًا وحاولت الاستيلاء عليه. في عام ١٩٦٣، واجهت هذه المنطقة، مثل جميع المناطق الأخرى، ملحمة تاريخية عظيمة هاجمه الجيش العراقي من عدة اتجاهات بخطة كبيرة و واسعة من أجل إنهاء أنشطة الثورة الكوردية في المنطقة و وضعها تحت سيطرته مرة أخرى.


بعد الانقلاب البعثي العسكري وسقوط نظام عبد الكريم قاسم، توقفت حرب الحكومة العراقية وهجومها على كوردستان لفترة وجرت مفاوضات بين قيادة الثورة والحكومة العراقية. غير أن البعثيين سرعان ما رفضوا الاستماع إلى المطالب الكوردية، وفي ١٠ حزيران (يونيو) ١٩٦٣ استأنفوا هجماتهم على كوردستان وخاصة في منطقتي بارزان وبادينان. في منتصف آب، حشد قوة كبيرة من الجنود والعملاء(جاش)، إلى جانب قوة من الجيش السوري تسمى قوة اليرموك، بقيادة اللواء فهد الشاعر، الذين عبروا الحدود لدعم الحكومة العراقية. لتدمير الثورة الكوردية باتفاق بين الحكومتين العراقية والسورية.

بعد أن وصلت معلومات الهجوم لقوات البيشمركة وقيادة الثورة من الموالين وأنصار الثورة إلى أن الحكومة تعتزم شن هجوم واسع النطاق على منطقة آميدي،

 وضعت قيادة الثورة في المنطقة خطة لمواجهة الهجوم وإلحاق الهزيمة به على النحو التالي:

استقرت قوة من البيشمركة بقيادة فيصل حسن نزاركي وحجي شعبان في مدينة أشاوا لمنع القوة المهاجمة من مهاجمة مانجيشكي، فيما استقرت قوة أخرى بقيادة جميلة سور بامرني في بامرني. وأرسلت قوة أخرى إلى أردنا، وانتشرت قوة أخرى بقيادة عريف سليمان دوسكي بين منطقتي مزوري بالا و دوسكي. مع قوة احتياط قوامها حوالي ٣٠٠ بيشمركة بقيادة عيسى سوار في منطقة كوليا كانت في حالة التأهب، وتم تجهيز قوة أخرى لتكون في حالة تأهب بين باطيفا وزاخو، وبقيت قوة أخرى بقيادة سعيد حجي شعبان في قرية كاني رش وأغلقت الطريق آميدي إلى برواري.

كما ذكرنا أعلاه، في منتصف آب، ظهرت قوة حكومية كبيرة بأسلحة ثقيلة ومدرعات وطائرات ومئات من المشاة والعملاء (جاش) من دهوك باتجاه مواقع البيشمركة في سواره توكا.

على الرغم من أن البشمركة دافعت في البداية ومنعتهم، إلا أنهم لم يتمكنوا من الاستمرار بسبب حجم الهجوم، لكنهم سحبوا قواتهم في عدة أماكن. بدأ الجيش العراقي حرق قرى (باندا ، كوفلي ، كوريما، بروشكا سعدينة ، ملهمبا، ديراجزنيك، زيوكا كندلا، زيوكا عبو، بانه سورا، بيسفكي الكيشك). اضطر أهالي هذه القرى للاختباء في الوديان والأودية لحماية حياتهم.

واصلت القوات الحكومية تقدمها حتى وصلت إلى منطقة مانغشكي، حيث توجهت إلى مطار بامرن مع قوات المنطقة واتخذت منه قاعدة عملياتها. وقسمته إلى أربعة محطات:

المحطة الاولي: من مطار بامرني إلى جبل متين وغرب منطقة برواري.

المحطة الثانية : من مطار بامرني إلى بامرني  من جهة الفوق. 

المحطة الثالثة: من سرسنك إلى أردنا، قرية نافيلا، جبل متين، قرية شيلازة.

المحطة الرابعة: من منطقة أميدي إلى مناطق آميدي من جهة الفوق و جارجل وكاني ماسي.

بدأ الهجوم الكبير في ٢٠ آب ١٩٦٣ وتم تقسيم المقاتلين العملاء (جاش) إلى أذرع حرب. حقق هجوم الحكومة في البداية تقدمًا كبيرًا على جميع الجوانب، حيث تمكنوا من الاستيلاء على جبل متين و بامرني واستشهد جميلة سور بامرني واثنين من البيشمركة. وسادت الفوضى في صفوف قوات البيشمركة، استسلم بعضهم وألقوا أسلحتهم، فيما ذهب آخرون إلى تركيا. وقامت الحكومة التركية بالتنسيق مع الحكومة العراقية بتسليح العملاء الريكانيين في منطقة هكاري. فأسروا مجموعة من البيشمركة وسلموهم إلى الحكومة العراقية.

ثم تمكنت قوات البيشمركة من الحصول على عدد كبير من الأسلحة والذخائر وإعادة تسليح نفسها، وخلال ٤٥ يومًا متتالية من المعارك التي استمرت للدفاع بدعم ومساعدة قوات الدفاع الوطني، تبنت خطة أخرى من الدفاع للهجوم على الجيش العراقي بقيادة عيسى سوار ومساعده علي هالو بالاستيلاء على جبل متين تحت اسم حرب البقاء أو الفناء. بدأت أولى خطوات هجوم البيشمركة في قرية غابنيركه ليلة ٤-٥ أكتوبر ١٩٦٣. انقسم جيش البيشمركة إلى عدة فصائل وهاجم الجيش والعملاء. هزموهم حتى طلوع الفجر وهزموهم من كل الجهات. تمكنوا من إعادة القوات الحكومية إلى مطار بامرني، الذي كان قاعدة عملياتهم، واستعادة جبل متين.

بعد هزيمة الجيشين العراقي والسوري، تكبدوا خسائر فادحة، بما في ذلك تدمير معظم الجيشين يرموك السوري والعراقي. وتركوا ١١٣ جثة في ساحة المعركة بينهم عدد من الجنود السوريين وأصيب مئات آخرون ودمرت عدة سيارات. وقد ضمت مكتسبات البيشمركة في هذه المعركة مدفعين عيار ١٠٣ ملم و ٤٠٠ بندقية و ١٥ سهما وكمية كبيرة من الذخيرة و من المعدات العسكرية. و كما قدمت قوات البيشمركة والدفاع الوطني في هذه المعركة ٣٦ شهيداً و ٧٨ جريحاً.

انتصار البيشمركة في جبل المتن رفع من معنويات البيشمركة، ولم يكن هذا الانتصار انتصارًا للثورة في بادينان فقط، بل خفف أيضًا من الهجمات المكثفة و الضغط الذي كان يمارسه الجيش العراقي على البارزاني منذ شهر حزيران. و كان السكان يعتزمون اللجوء إلى تركيا، لكن الانتصار أعطاهم الأمل في العودة إلى قراهم ومنازلهم.


 المصادر:

 ١- شیرزاد زکریا محمد، الحرکة القومیة الکردیة في كوردستان العراق ٨ شباط ١٩٦٣ – ١٧ تموز ١٩٦٨، دار سپيريز للطباعة والنشر، دهوك، ٢٠٠٦، ص ١٤٧.

٢- روژین چلبى منیر، زاخۆ ١٤ى تیرمەها ١٩٥٨ – ٦ى ئادار ١٩٧٥، سەنتەرێ زاخۆ بۆ ڤەکۆلینێن کوردى، زاخۆ، ٢٠١٨، ل ٢١٢ – ٢١٣.

٣- شەوکەت مەلا ئیسماعیل حەسەن، رۆژانێ لە مێژووى شۆڕشى ئەیلول، چاپى دووەم، نووسینگەى تەفسیر، هەولێر، ٢٠٠٦، ل ١٦٨.

٤- مەسعود بارزانى، بارزانى و بزووتنەوەى ڕزگاریخوازى کورد، بەرگى سێیەم، بەشى یەکەم، چاپخانەى وەزارەتى پەروەردە، ٢٠٠٤، ل ١١٦.

٥- هوژین مسعود سەرنى، شورەشا ئیلونێ ل دەڤەرا بەهدینان ١٩٦١ – ١٩٧٥، سەنتەرى زاخۆ بۆ ڤەکۆلینێن کوردى، ٢٠١٨، ل ١١٨.

٦- رجب جمیل حبیب، ئامێدى (العمادیة) ١٩٢١ – ١٩٧٥، مطبعة هەوار، دهۆک، ٢٠١٢، ص ٢٦٠.

٧- ئەرشیفی دەستەی ئینسکلوپیدیای پارتی دیموکراتی کوردستان.

٨- د. عبدالفتاح علي البوتاني، منطقة بادينان ١٩٢٥ – ١٩٧٠ دراسة في الوقائع و التطورات السياسية، الجزء ٢، مطبعة جامعة صلاح الدين، اربيل، ص ٢٢٣.


مقالات ذات صلة

معركة منطقة سنديا ١٩٨٧

اندلع هذا القتال نتيجة لهجوم واسع النطاق من قبل الجيش العراقي مدعوماً بالدبابات والمدفعية والطائرات الحربية والمرتزقة المأجورين على منطقة سنديا، وتصدت قوات پیشمرگة كوردستان للقوات الحكومية في ٥ نيسان ١٩٨٧ لحماية المنطقة من الدمار وتخريب القرى، وانتهت المعركة بانتصار قوات الپیشمرگة وهزيمة القوات العراقية.

مزيد من المعلومات

معركة گلنازکى١٩٨٤

وقعت معركة گلنازکى في ٢٤ آب ١٩٨٤ اثناء مواجهات بین قوات الپیشمرگة مع قوة كبيرة من الجيش العراقي والمسلحين المأجورين، بدعم من الدبابات والمدافع والطائرات الحربية، حيث قامت حكومة الابعث بهجوم على عدة مناطق في زاخو بمنطقة بهدينان، وبعد ثمانية ايام من الهجمات والمداهمات المستمرة، منيت القوات الحكومية بهزيمة نكراء مخلفة ورائها خسائر بشرية ومادية كبيرة.

مزيد من المعلومات

معركة سورداش وعدة مناطق تابعة للسليمانية١٩٦٩

عندما استولى البعثيون على السلطة في العراق للمرة الثانية، كان أحد مخططاتهم العدوانية هو إنهاء الثورة الكوردية. ولتنفيذ أجندتهم شنّوا في عام ١٩٦٩ حملة هجومية واسعة على مناطق ثورة أيلول، وذلك بالتعاون والدعم من زمرة المكتب السياسي القديم، لكن قيادة الثورة بخطة وتنظيم محكمين، تصدت لهم وأفشلت جميع خططهم العسكرية.

مزيد من المعلومات

معركة سيناوە و بردینا ١٩٦٣

وقعت معركة سيناوه وبردينا في صيف عام ١٩٦٣ بين قوات پيشمرگة كوردستان والجيش العراقي مدعوماً بالأسلحة الثقيلة والقصف المدفعي والقصف الجوي في منطقة سپييلك غرب بلدة خليفان، وذلك عندما حاولت الحكومة العراقية السيطرة على منطقة بارزان، وبعد معركة حامية واستشهاد ٨ من الپيشمرگة، تم اتخاذ قرار بانسحاب قوات الپيشمرگة من تلك المواقع.

مزيد من المعلومات

معركة رواندوز ١٩٦٥

حدثت هذه المعركة في صيف عام ١٩٦٥ في جبل كورك ورواندوز وسهل ديانا، كان هدف قيادة الثورة من هذا الهجوم هو السيطرة على جبل كورك ووادي علي بگ، كرد فعل على هجمات الجيش العراقي المتواصلة على زوزك وهندرين وأماكن أخرى للضغط على قيادة الثورة في منطقة بالكايتي.

مزيد من المعلومات