ملحمة جبل كورك في ١٩٧٤

الحكومة العراقية التي انسحبت من اتفاق ١١ آذار وعرقلت المحادثات مع قيادة ثورة أيلول، استأنفت الحرب بنية إنهاء الثورة في وقت قصير. بما أنها سلحت نفسها بطريقة ما خلال أربع سنوات من وقف إطلاق النار والمفاوضات من خلال تعزيز علاقاتها مع الاتحاد السوفيتي السابق لتوفير الأسلحة والذخيرة والمشورة العسكرية، وما إلى ذلك، فهي الآن قادرة على القيام بذلك، وكان هدفها قمع الثورة الكوردية.


جبل كورك، من الجبال الإستراتيجية في المنطقة، و سيطرة أي قوة عسكرية على الجبل بأكمله، ستشكل الخطر على مدينة رواندز وسهل ديانا ومحيطها الذي يسمى حوض سوران، و كان من الصعب على القوة الأخرى الصمود في المنطقة. على الرغم من أن الجيش العراقي كان قد سحب في وقت سابق قواته من حامية رواندز و قرية بالكيان إلى أن منطقة سبيلك غربي بلدة خليفان، إلا أنه لم ينسحب من قمة جبل كورك.

مع استئناف الحرب عام ١٩٧٤ هاجمت عليه قوات البيشمركة عدة مرات، لكنها لم تستطع التغلب عليه لأن الجيش العراقي تمكن من الدفاع عن المنطقة بسبب أسلحته المتطورة.

يفصل الموقع الجغرافي لجبل كورك بين (گلی علي بگ) وجبل كورز. وفي هجوم على كورز في نيسان ١٩٧٤، استولت قوات البيشمركة على مواقع الجيش العراقي. وعلى من أن الجيش العراقي حاول عدة مرات استعادة السيطرة عليه ومد تقدمه إلى سهل ديانان ومنطقة بالكايتي، لكنه فشل.

مع (گلی علي بگ)، أراد الجيش العراقي مهاجمة ومواصلة تقدمه عبر طریق هاملتون. لكن قوات البيشمركة لحماية هذا موقع وإفشال خطة هجوم الجيش العراقي ألغمت الطرق واستعدت لتفجير الجسور، حتى لا تتمكن دبابات ومدرعات الجيش العراقي من العبور.

مع بدء الهجوم قامت قوات البيشمركة بتفجير عدة جسور على الطريق، و فيما كان الجنود يصلحون الجسور و دائرة الهندسة تزيل الألغام لفتح الطريق. بدأت مدفعية الثورة الثابتة في مرتفعات جبلي بالكيان وبابشتيان قصفها عليهم بشدة و لم تسمح لهم بأداء واجباتهم، وفشل هجومهم، لذلك فكر القادة العسكريون في الجيش، بمساعدة المستشارين الروس، في طريقة أخرى للهجوم.

إلى جانب الهجمات على كورز و(گلي علي بگ)، في شهر نيسان، هاجم الجيش العراقي مواقع اليبشمركة في سفح جبل تلال كورك فوق شلال بيخال وسرچيا.  و بدعم من الطائرات الحربية والأسلحة الثقيلة وعدد لا يحصى من الجنود، تمكن الجیش العراقی في البداية من الاستيلاء على بعض الأماكن مثل (دارقەسب  -شجرة تمر) و كورنوك، مما تسبب في سقوط ضحايا من الجانبين. إلا أن قوات البيشمركة قامت بالهجوم المضاد في ١٩ نيسان ١٩٧٤ للسيطرة على مواقعها مرة أخرى و لطرد الجيش العراقي، وتمكنت من الانتصار والعودة إلى مواقعها.

 

في ٨ أب ١٩٧٤، شن الجيش العراقي بقيادة الفريق إسماعيل تاي نعيمي هجوماً ضخماً آخر على جبال كورك و كورز. من أجل اجتياز مواقع البيشمركة والاستيلاء على رواندز وسهل ديانا، ولكن بسبب صعوبة المنطقة لم يستطع الاعتماد على الدبابات والعربات المدرعة، وقاومت قوات البيشمركة الهجوم بشدة، مما أدى إلى هزيمة الجيش العراقي وصده. حتى أنهم تركوا ٤٠٠ جثة في ساحة المعركة. واستشهد في المعركة ستة من البيشمركة، ومن الجدير بالذكر أن مدفعية الثورة بقيادة عالي دولمري لعبت دورًا مهمًا في دحر هجوم الجيش العراقي.

لم يستسلم الجيش العراقي لهذه الهزيمة، بل غيّر استراتيجيته وفكر بخطة بعيدة كل البعد عن خيال البيشمركة. بقيادة المقدم ركن عبد الوهاب، حيث قام بإصلاح طريق من أعلى جبل كورك إلى أسفله، بين كورك وبيخال في عتمة الليل، عبر استخدام الجرافات الثقيلة لإزالة الصخور وإفساح المجال للدبابات والمدرعات العسكرية.

في صباح يوم ١٨ أب ١٩٧٤، هاجم الجيش العراقي المكون من مشاة الجبل الخامس من اللواء الرابع وكتيبة الدبابات الثانية من القوة المدرعة الثامنة بالدبابات السوفيتية T٥٥ والمدرعات الأمريكية M١١٣. ونزلوا من أعلى الجبل حتى وصلوا إلى طريق بيخال.

انقلبت الأوضاع لصالح الجيش العراقي وأخلت البيشمركة مواقعها وتراجعت. ودخلت دبابات الجيش العراقي مدينة رواندز، و تسلقت جبل بابشتيان في الجهة الخلفية باتجاه المدفع الموضوع في أسفل الجبل المطل على(گلی علي بگ) لدعم قوات البيشمركة في جبل كورز و (گلی علي بگ) وسفح كورك. خاصة في (گلی علي بگ) حيث لم يتمكن جنود الجيش العراقي التقدم في (كاني ماران) بسبب هذا المدفع. و لم يكونوا على علم بوصول دبابات الجيش العراقي على مواقع قوات البيشمركة التي كان فيها ثلاثة من البيشمركة، وجميعهم تم أسرهم.

حقق الجيش العراقي انتصارا كبيرا في هذا الهجو؛ لأنه  كان يحاول بكامل قوته و لمدة خمسة أشهر الوصول إلى رواندز وديانا. وبعد هذه الحادثة انسحبت قوات البيشمركة من كورز إلى ديانا من جهة الخلف، و غادرت بيخال من جهة سفح جبل كورك وانسحبت إلى بنكاول وبرزيوة، و أسس خط دفاع في وادي أكويان وهندرين وزوزك و مضيق عمرآغا.


المصادر:

١- دیمانه‌ له‌گه‌ڵ قادر حه‌سه‌ن سیتكانی پێشمه‌رگه‌ی شۆرشی ئه‌یلوول  ٣١/١٢/٢٠٢٢.

٢- غازی عادل گه‌ردی، پێشمه‌رگه‌یه‌ك له‌ خزمه‌ت بارزانیدا ... حه‌جی بێڕۆخی، به‌رگی یه‌كه‌م، چاپی دووه‌م، ٢٠٢٠، ل٤٤٦-٤٤٨.

٣- سه‌نگه‌ر ئيبراهيم خۆشناو،  ڕوداوه‌ سه‌ربازيه‌كانى شۆڕشى ئه‌يلوول١٩٧٠-١٩٧٥، چاپى يه‌كه‌م، هه‌ولێر، ٢٠٢٢، ل٢٠١-٢٠٢.

٤- ئه‌رشیفی دەستەی ئینسكلۆپیدیای پارتی دیموکراتی کوردستان.

٥- مسعود بارزانی، بارزانی و بزوتنه‌وه‌ی ڕزگاریخوازی كورد، به‌رگی سێیه‌م، به‌شی دووه‌م، چاپی یه‌كه‌م، هه‌ولێر ٢٠٠٤،  ل١٥٧.

٦- دیمانه‌ لەگەڵ محمد عزیز عمر، پێشمه‌رگه‌ی شۆڕشی ئه‌یلوول، ١٨/١/٢٠٢٣


مقالات ذات صلة

معركة منطقة سنديا ١٩٨٧

اندلع هذا القتال نتيجة لهجوم واسع النطاق من قبل الجيش العراقي مدعوماً بالدبابات والمدفعية والطائرات الحربية والمرتزقة المأجورين على منطقة سنديا، وتصدت قوات پیشمرگة كوردستان للقوات الحكومية في ٥ نيسان ١٩٨٧ لحماية المنطقة من الدمار وتخريب القرى، وانتهت المعركة بانتصار قوات الپیشمرگة وهزيمة القوات العراقية.

مزيد من المعلومات

معركة گلنازکى١٩٨٤

وقعت معركة گلنازکى في ٢٤ آب ١٩٨٤ اثناء مواجهات بین قوات الپیشمرگة مع قوة كبيرة من الجيش العراقي والمسلحين المأجورين، بدعم من الدبابات والمدافع والطائرات الحربية، حيث قامت حكومة الابعث بهجوم على عدة مناطق في زاخو بمنطقة بهدينان، وبعد ثمانية ايام من الهجمات والمداهمات المستمرة، منيت القوات الحكومية بهزيمة نكراء مخلفة ورائها خسائر بشرية ومادية كبيرة.

مزيد من المعلومات

معركة سورداش وعدة مناطق تابعة للسليمانية١٩٦٩

عندما استولى البعثيون على السلطة في العراق للمرة الثانية، كان أحد مخططاتهم العدوانية هو إنهاء الثورة الكوردية. ولتنفيذ أجندتهم شنّوا في عام ١٩٦٩ حملة هجومية واسعة على مناطق ثورة أيلول، وذلك بالتعاون والدعم من زمرة المكتب السياسي القديم، لكن قيادة الثورة بخطة وتنظيم محكمين، تصدت لهم وأفشلت جميع خططهم العسكرية.

مزيد من المعلومات

معركة سيناوە و بردینا ١٩٦٣

وقعت معركة سيناوه وبردينا في صيف عام ١٩٦٣ بين قوات پيشمرگة كوردستان والجيش العراقي مدعوماً بالأسلحة الثقيلة والقصف المدفعي والقصف الجوي في منطقة سپييلك غرب بلدة خليفان، وذلك عندما حاولت الحكومة العراقية السيطرة على منطقة بارزان، وبعد معركة حامية واستشهاد ٨ من الپيشمرگة، تم اتخاذ قرار بانسحاب قوات الپيشمرگة من تلك المواقع.

مزيد من المعلومات

معركة رواندوز ١٩٦٥

حدثت هذه المعركة في صيف عام ١٩٦٥ في جبل كورك ورواندوز وسهل ديانا، كان هدف قيادة الثورة من هذا الهجوم هو السيطرة على جبل كورك ووادي علي بگ، كرد فعل على هجمات الجيش العراقي المتواصلة على زوزك وهندرين وأماكن أخرى للضغط على قيادة الثورة في منطقة بالكايتي.

مزيد من المعلومات