ملحمة جبل زوزك

يعتبر جبل زوزك من الجبال الشهيرة في جنوب كوردستان يطل على مدينة سوران ويحيط به عدد من القرى. على سبيل المثال، تقع قريتا برسرين وبيرسوان إلى الشرق من الجبل، بينما تقع قريتا سيتكان في الشمال، وبادليان وديلزيان في الغرب و تقع برزیوە وكورين وكوان عند سفح الجبل، وخلال ثورة أيلول، كانت كل قرية من هذه القرى بمثابة ملجأ مهم وداعم للثورة في البقاء ومساعدة البيشمركة، خاصة في المعارك.


كان جبل زوزك ذا أهمية عسكرية لثورة أيلول بسبب موقعه الجغرافي وموقعه الاستراتيجي، حيث يمر طريق هاميلتون السريع عند سفح الجبل، لذلك كان موقعا مهما لحماية الطريق من جهة، ولأنه يطل على سهل ديانا، كانت نقطة مهمة لربط منطقتي بارزان وبالكايتي التي كانت المقر الرئيسي لقيادة ثورة أيلول من جهة أخرى. لذلك كانت الحكومة العراقية تخطط دائما للسيطرة على الأماكن الاستراتيجية وتعطيل الثورة في كل هذه الأماكن. 

يعود تاريخ قتال البيشمركة مع الجيش العراقي في جبل زوزك إلى عام ١٩٦٥، عندما أقامت قوات البيشمركة الكوردستانية خط دفاع في جبال زوزك ومضيق سروت ومضيق عمراغا حتى نهر موساكاو. وكان الجيش العراقی يخطط باستمرار للوصول إلى مواقع استراتيجية.

في أوائل خريف العام نفسه، شن هجومًا على جبل زوزك بدعم من الطائرات و عشرات الآلاف من الجنود واالعملاء(جاش). و أطلق الجيش العراقي في البداية قصفًا عنيفًا على الجبل، و اقتحم بعده آلاف الجنود العراقيين مواقع البيشمركة. وبعد عدة هجمات مكثفة تمكنوا من السيطرة على أحد مرتفعات الجبل الذي أصبح يشكل خطرا على مواقع البيشمركة عند سفح الجبل، لذلك تقرر التراجع للهجوم المضاد بخطة صلبة لاستعادة المواقع التي فقدوها، وعلى الرغم من قيامهم بعدة هجمات ثانوية لإعادة السيطرة على الأماكن التي فقدوها لكنهم لم ينجحوا.

و بعد استعداد جيد قامت قوات البيشمركة بخطة صلبة و بقيادة حجي بيروخي قائد الكتيبة والعديد من المسؤولين العسكريين الآخرين مثل: (عريف ياسين، رمضان ياسين، جادر كويزي، عزيز خان مهاجر و صباح ميركة خايلاني، علي شكاك وجوهر برسيافي) و أيضا (حميد أفندي ومصطفى نيروي وحسن خال حمزة) بهجوم واسع النطاق على الجيش العراقي. 

وبعد عدة ساعات من القتال المحتدم لم يستطع جنود الجيش العراقي مقاومة هجوم البيشمركة بل هزموا وفروا.  ألقى قرابة ٢١ جنديًا بأنفسهم من الجبل خلف قرية كوان، مخلفين عددًا كبيرًا من الجثث في ساحة المعركة، و كان في قوات البيشمركة شهيدَين وخمسة جرحى.

 أثار انتصار البيشمركة وهزيمة الجيش العراقي غضب مسؤولي الحكومة العراقية وضباطهم  الذين قرروا احتلال هذه الأماكن والانتقام من قوات البيشمركة في ٣ مايو عام ١٩٦٦، وشنوا هجومًا كبيرًا على سفوح الجبل. هندرين وزوزك و مضيق عمرأغا بدعم من الطائرات الحربية والمدفعية.

 بعد عدة أيام من القتال المستمر الذي قاده مسعود بارزاني وإدريس بارزاني، خاصة عندما مارست الحكومة العراقية ضغوطًا كبيرة على مواقع البيشمركة وتمكنت من السيطرة على عدة أماكن في جبل زوزك. و كان قائد الثورة (ملا مصطفى البارزاني) حاضرا في ساحة المعركة في جبل زوزك، حيث هزمت قوات البيشمركة الجيش العراقي من جميع الجهات وألحقت أضرارا جسيمة به، مما أسفر عن مقتل ٤٠٠ جندي وجرح ٦٠٠ آخرين. و وقعت أربعة مدافع (٧٥) ملم، و أربعة قذائف هاون(٤،٢٠) وعشرة قذائف هاون (٢،٣) عقدة، و (٦٠٠) قطعة أسلحة صغيرة، و (١٥) أجهزة اللاسلکی والكثير من الرصاص في أيدي البيشمركة.

بعد استئناف الحرب في عام ١٩٧٤، عندما تمكن الجيش العراقي من إنزال دباباته بنجاح من جبل كورك إلى طريق بيخال بقوة كبيرة مدججة بالأسلحة الثقيلة والخفيفة المتطورة، تغيرت استراتيجية الحرب. و اضطر البيشمركة إلى مغادرة جبل كورز وسفح جبل كورك في رواندز والتراجع إلى ديانا و بنكاول وبرزيو . و تم إنشاء خط دفاع في وادي أكويان وجبل هندرين وجبل زوزك ومضيق عمراغا.

واضطر الجيش العراقي، الذي تلقى هزيمة ثقيلة في الهجوم على مضيق عمرأغا في ٣ أيلول ١٩٧٤، إلى التراجع إلى قرية بادليان. لذلك كان يبحث عن طريقة أخرى للتغطية على هزيمته واحتلال موقع استراتيجي آخر لبسط سلطته على المنطقة بأكملها. وبحسب المعلومات التي تلقاها قادتهم العسكريين، لم يكن يوجد عدد كبير من قوات البيشمركة في جبل زوزك،  فرأوا هذا كفرصة. وخصصوا كتيبة من الفرقة الثامنة، ثم تمكنوا من احتلال العديد من مواقع البيشمركة في جبل زوزك في ٢٠ أيلول١٩٧. لكن قوات البيشمركة لم تتوقف أمام  هجمات الجيش العراقي مكتوفة الأيدي؛ بل ردت بقوة وشنت هجومًا مضادًا على المناطق التي احتلها الجيش العراقي، وبمساعدة مدفعية الثورة، تمكنت من السيطرة على جبل زوزك مرة أخرى.

في مقابلة، قال لنا أحد البشمركة الذين شاركوا في معركة جبل زوزك: "في صباح باكر رأينا أن جنود الجيش العراقي والعملاء (جاش) قد اقتربوا منا، و هاجموا على مواقع البيشمركة انطلاقا من ديانا، فتحوا النار علينا و أصيب عدد من البيشمركة بجروح. وسيطروا على نقطة مهمة واستراتيجية للغاية فوقنا. فقرر قائدنا حجي بيروخي الذي كان قائد الجبهة، القيام بهجوم مضاد للاستيلاء على تلك النقطة المحتلة في أسرع وقت ممكن، و بعد أن بدأت قوات البيشمركة الهجوم استطعنا بدعم مدفع من الأسلحة الثقيلة أن نقوم بهجوم مضاد على النقطة المحتلة. و بعد معركة حامية تمكنا من السيطرة على المكان والانتصار. و لأنه لم يتحمل هجوم البيشمركة تراجع العدو إلى قواعده في ديانا، وفي هذه المعركة كان ضحايانا شهيداً وجريحاً، لكن تعرض العدو لهزيمة فادحة وسقطت جثث ثلاثة جنود وضابط في أيدي البيشمركة. و لولا وجود الأحجار والفجوات والصخور الكبيرة التي اختبأوا ورائها لتعرضوا لأضرار أكبر بكثير.  

لكن بعد أسبوع، في ٢٧-٢٨ أيلول ١٩٧٤، شنت قوة من الجيش العراقي مؤلفة من فرقة المشاة(٥) الخامسة وكتيبة من القوات الخاصة(٢٩)التاسعة والعشرين، بدعم من كتيبة الدبابات، هجوما على جبل زوزك، وبخطة عسكرية منظمة و بروح دفاعية قوية تصدت قوات البيشمركة لهجوم الجيش العراقي بكل أنواع الأسلحة التي بحوزتها. وتمكنت من إلحاق أضرار جسيمة به وقتلوا معظم ضباط وجنود هذه الكتيبة، وكان أحدهم قائد الفرع. 

كان احتلال جبل زوزك شيئا إستراتيجيًا جدًا للجيش العراقي لدرجة أن القادة العسكريين أصروا على احتلاله، لذلك ضغطواعلى الوحدات العسكرية من المشاة والدبابات والعربات المدرعة والمدفعية والقوات الجوية للبدء بالهجوم على الجبل مرة أخرى. فاستأنفوا هجوما أكبر و أقوى، لكن هذه المرة تمكنوا من الاستيلاء عليه في ٣٠ سبتمبر ١٩٧٤. إلا أن قوات البيشمركة استعدت مرة أخرى للمواجهة و للهجوم المضاد، وتحت قيادة وإشراف مسعود بارزاني خططوا لهجوم معاكس نتج عنه انتصار كبير تسببوا في إلحاق أضرار جسيمة بالجيش العراقي، بما في ذلك تدمير خمس دبابات و قتل (٥٠٠) جندي تركت جثثهم في ساحة المعركة. 

الموقع الجغرافي لجبل زوزك يتكون من مرتفعين أحدهما يسمى (كوبي ستيره) والآخر (كوبي بيره)، يفصل بينهما حوالي ١-٢ كم، ولفترة كانت قوات البيشمركة في(كوبي ستيره)  والجيش العراقي في كأس (كوبي بيره)، ونصبا الجبهة مقابل بعضهما البعض، في إحدى حملات البيشمركة النهارية على ارتفاع (كوبي بيره)، وهي أرض منبسطة بلا أشجار وصخور، لم تتمكن قوات البيشمركة من استعادتها من الجيش العراقي، لأنها تعرضت لأضرار كبيرة، حيث استشهد ١٧ من البيشمركة وأصيب عدد آخر.

 كان احتلال جبل زوزك بالنسبة للجيش العراقي مهما جدا لدرجة أنه بعد كل الهزيمة والأضرار التي لحقت به، لم يكونوا مستعدين لتركه، فهاجموا الجبل مرة أخرى في ٣ أكتوبر ١٩٧٤ وتمكنوا من السيطرة عليه بالكامل نتيجة لعدم وجود التكافؤ بينهم وبين البيشمركة من حيث القوة والأسلحة، لذلك قررت قوات البيشمركة الانسحاب وإقامة خط دفاع آخر في مضيق بيشه وجبل حسن بك وسري بردي لمنع جيش العدو من التقدم أكثر والاقتراب من قيادة الثورة. 

على الرغم من أن إيران دعمت الثورة بكتيبة مدفعية ١٣٠ ملم وبطاريتين للصواريخ المضادة للطائرات، وصلت إلى ساحة المعركة في أكتوبر ١٩٧٤.   لكن لم يكن لها أي تأثير إيجابي على ساحات القتال ولم تلعب دورًا فاعلًا في وقف تقدم الجيش العراقي وتغيير ميزان القوى، بل على العكس أحدثت الضعف و التباطؤ لدى البيشمركة في جبهات القتال، لأن قوات البيشمركة علقت كل آمالها على هذه المدفعية،  لتصبح عقبة قوية أمام الهجوم والتقدم واحتلال كوردستان، لكن للأسف لم يتم الأمر على هذا النحو، لأن قصف مدفعية الكتيبة الإيرانية لم تكن دقيقة، ولم تكن تصيب الأهداف. بل و لم يستفيدوا منها في أوقات الحاجة. 

ولكن مع الشتاء لم تكن الظروف مواتية للجيش العراقي للتقدم أكثر ومواجهة قوات البيشمركة. و كانت قوات البيشمركة تبحث دائمًا عن فرص لتوجيه ضربة كبيرة. و لهذا شنت قوات البيشمركة عدة هجمات على الجيش العراقي في كانون الأول ١٩٧٤، وفي كانون الأول ١٩٧٥ هاجمت قوات البيشمركة على مواقع الجيش العراقي واستعادت السيطرة على نصف جبل زوزك مرة أخرى.


المصادر:

١- غازی عادل گه‌ردی، پێشمه‌رگه‌یه‌ك له‌ خزمه‌ت بارزانیدا ... حه‌جی بێڕۆخی، به‌رگی یه‌كه‌م، چاپی دووه‌م، ٢٠٢٠، ل٣١٥.   

٢- غازی عادل گه‌ردی، سه‌رچاوه‌ی پێشوو، ل٣٤٥-٣٧٧

٣- مسعود بارزانی، بارزانی و بزوتنه‌وه‌ی ڕزگاریخوازی كورد، به‌رگی سێیه‌م، به‌شی دووه‌م، چاپی یه‌كه‌م، هه‌ولێر ٢٠٠٤،  ل١٥٨

٤-  سه‌نگه‌ر ئيبراهيم خۆشناو،  ڕوداوه‌ سه‌ربازيه‌كانى شۆڕشى ئه‌يلوول١٩٧٠-١٩٧٥، چاپى يه‌كه‌م، هه‌ولێر، ٢٠٢٢، ل٢٢٠.

٥- دیمانه‌: گۆرگیس یه‌لدا ته‌رخان، پێشمه‌رگه‌ی شۆرشی ئه‌یلوول، ئه‌رشیفی ئینسكلۆپیدیا 

٦-سه‌نگه‌ر ئيبراهيم خۆشناو، سه‌رچاوه‌ی پێشوو، ل٢٢٠.

٧-  سه‌نگه‌ر ئيبراهيم خۆشناو، هه‌مان سه‌رچاوه‌، ل٢٢٠

٨- دیمانه‌ له‌گه‌ڵ قادر حه‌سه‌ن سیتكانی پێشمه‌رگه‌ی شۆرشی ئه‌یلوول  ٣١/١٢/٢٠٢٢.

٩- سه‌نگه‌ر ئيبراهيم خۆشناو، هه‌مان سه‌رچاوه‌، ل٢٢٠-٢٢١.

١٠-مسعود بارزانی، هه‌مان شه‌رچاوه‌ی پێشوو ،  ل١٥٩.

١١- ئیبراهیم جلال، باشووری كوردستان و شۆڕشی ئه‌یلوول، بنیانان و هه‌ڵته‌كاندن، ١٩٦١-١٩٧٥.چاپی چواره‌م، ٢٠٢١، ل٦١٥.            


 


مقالات ذات صلة

معركة منطقة سنديا ١٩٨٧

اندلع هذا القتال نتيجة لهجوم واسع النطاق من قبل الجيش العراقي مدعوماً بالدبابات والمدفعية والطائرات الحربية والمرتزقة المأجورين على منطقة سنديا، وتصدت قوات پیشمرگة كوردستان للقوات الحكومية في ٥ نيسان ١٩٨٧ لحماية المنطقة من الدمار وتخريب القرى، وانتهت المعركة بانتصار قوات الپیشمرگة وهزيمة القوات العراقية.

مزيد من المعلومات

معركة گلنازکى١٩٨٤

وقعت معركة گلنازکى في ٢٤ آب ١٩٨٤ اثناء مواجهات بین قوات الپیشمرگة مع قوة كبيرة من الجيش العراقي والمسلحين المأجورين، بدعم من الدبابات والمدافع والطائرات الحربية، حيث قامت حكومة الابعث بهجوم على عدة مناطق في زاخو بمنطقة بهدينان، وبعد ثمانية ايام من الهجمات والمداهمات المستمرة، منيت القوات الحكومية بهزيمة نكراء مخلفة ورائها خسائر بشرية ومادية كبيرة.

مزيد من المعلومات

معركة سورداش وعدة مناطق تابعة للسليمانية١٩٦٩

عندما استولى البعثيون على السلطة في العراق للمرة الثانية، كان أحد مخططاتهم العدوانية هو إنهاء الثورة الكوردية. ولتنفيذ أجندتهم شنّوا في عام ١٩٦٩ حملة هجومية واسعة على مناطق ثورة أيلول، وذلك بالتعاون والدعم من زمرة المكتب السياسي القديم، لكن قيادة الثورة بخطة وتنظيم محكمين، تصدت لهم وأفشلت جميع خططهم العسكرية.

مزيد من المعلومات

معركة سيناوە و بردینا ١٩٦٣

وقعت معركة سيناوه وبردينا في صيف عام ١٩٦٣ بين قوات پيشمرگة كوردستان والجيش العراقي مدعوماً بالأسلحة الثقيلة والقصف المدفعي والقصف الجوي في منطقة سپييلك غرب بلدة خليفان، وذلك عندما حاولت الحكومة العراقية السيطرة على منطقة بارزان، وبعد معركة حامية واستشهاد ٨ من الپيشمرگة، تم اتخاذ قرار بانسحاب قوات الپيشمرگة من تلك المواقع.

مزيد من المعلومات

معركة رواندوز ١٩٦٥

حدثت هذه المعركة في صيف عام ١٩٦٥ في جبل كورك ورواندوز وسهل ديانا، كان هدف قيادة الثورة من هذا الهجوم هو السيطرة على جبل كورك ووادي علي بگ، كرد فعل على هجمات الجيش العراقي المتواصلة على زوزك وهندرين وأماكن أخرى للضغط على قيادة الثورة في منطقة بالكايتي.

مزيد من المعلومات