معركة مضيق زاخو(نيسان ١٩٦٢)

في سلسلة معارك وقصص ثورة أيلول، تعتبر معركة مضيق زاخو إحدى المعارك الهامة التي شهدت تنسيقاً محكماً بين تنظيمات الحزب الديمقراطي الكوردستاني داخل صفوف الجيش العراقي وإيصال المعلومات إلى قادة الپیشمرگة.


في الحقيقة كانت تنظيمات الحزب داخل الوحدات العسكرية في زاخو تنقل باستمرار أخبار وتحركات الجيش في المنطقة إلى مسؤول لجنة محلية زاخو للحزب الملا صالح حاجي بالقوسي، والذي بدوره كان يوصل المعلومات إلى عيسى سوار قائد المنطقة، ومنذ آذار عام ١٩٦٢ سيطر الپیشمرگة على عدد من المواقع الحكومية في مضيق زاخو وناحية سلیڤانە (آسيهي)، وعززوا مواقعهم في قرية ترکژا وگلي قلما، وصلت رسالة عاجلة إلى عيسى سوار من لجنة محلية زاخو أفادت بأن فوجاً عسكرياً من شيخان بقيادة العقيد مجيد سبع العبوسي، تحرك بهدف التبديل مع فوج باتيفا، في صباح يوم ١ نيسان ١٩٦٢ من ممر جبلي نحو معسكر فايدة، وفي الساعة ٨:٠٠ صباحاً وصل مقدمة الرتل إلى داخل مضيق زاخو. تجدر الإشارة إلى أن هذه المعلومة قد وردت سابقاً عن طريق خورشيد سليم شيره، وهو عضو في تنظيمات الحزب في الفوج الثاني من اللواء الثالث، والذي بدوره أوصل خبر نقل الفوج إلى الملا علي رشاد هاجاني، لإبلاغ قائد الپیشمرگة عيسى سوار.

عند وصول الخبر، عقد عيسى سوار اجتماعاً في قرية حسن آڤا مع عدد من أمراء اجنحة قادة الپیشمرگة، وكان الهدف من الاجتماع وضع خطة لضرب الفوج الثاني من اللواء الثالث التابع للجيش العراقي، وبعد مناقشة الخطة، تم تقسيم قوات الپیشمرگة داخل مضيق زاخو إلى عدة مجموعات على النحو التالي: المجموعة الأولى والتي تتكون من عيسى سوار وبعض حراسه وعدد من پیشمرگة منطقة برواري بالا بقيادة درباز هروري، تمركزت في أسفل مضيق زاخو بالقرب من قرية حسن آڤا.

المجموعة الثانية تمركزت في الجزء السفلي من المضيق من الجهة الغربية، وتألفت من أمر الجناح هاشم ميروزي، ياسين رشى ميروزي، أحمد محو شرانشي، علي رشو، فرحان علي، والعريف درويش. في منتصف المضيق  تمركزت المجموعة الثالثة من الجهة الشرقية وصولاً إلى قرب مخفر سهريجى وتألفت من أمر الجناح علي هالو، سلمان خورشيد، سعيد هالو، سعيد خليل، وعدد آخر من الپیشمرگة. أما المجموعة الرابعة والتي تألفت من الشيخ مصطفى حجي محمود، محمد خالد، نعمان محمد، شعبان سعيد، و جانگیر سيڤو ، فقد أوكلت إليها مهمة إشغال النقطة العسكرية في كلفرينى. في حين تمركزت المجموعة الخامسة والتي تألفت من كل من سليمان لاچي مزوري بالا، العريف سليمان دوسكي، علي علي سيف الدين، الشيخ صديق عبدالله، وأمين أوزماني وعدد آخر من الپیشمرگة، هؤلاء تمركزوا في الجهة الشرقية من مضيق زاخو حتى منتصفه. أما المجموعة الأخيرة، فقد كانت مؤلفة من عدد من الپیشمرگة بقيادة أمر الجناح ياسين محي ديزوي وپیشمرگة عبدالرحمن محمد عبدال، وقد كُلفت هذه المجموعة بضرب وإشغال النقطة العسكرية كوخين – تركژا. وفي نفس الاجتماع، تم وضع خطة المعركة، بحيث يلتزم الجميع بالتعليمات، كانت الخطة تقضي بأن يكون إطلاق النار الأول من جهة علي هالو، كما تم التأكيد على ضرورة حماية الپیشمرگة لأنفسهم من العدو وخاصة من الطائرات، والشيء الذي تم التشديد عليه كثيراً هو عدم السماح إطلاقاً لمركبتين من مقدمة الرتل بالعبور، لأن الأولى تعود لأمر الفوج والثانية لسيارة الاتصالات اللاسلكية، فإذا وصلتا إلى فايدة في دهوك، فإن قوات ستأتي لنجدتهم.

بعد هذا التنظيم والإعداد، وُضعت خطة المواجهة على شكل كمين، اختبأ الپیشمرگة بسرية تامة وبخطة عسكرية محكمة على طول المضيق مغطين أنفسهم بأوراق الأشجار، وكان أول عمل قام به الپیشمرگة هو قطع خطوط الهاتف بين زاخو والموصل.

في صبيحة يوم ١ نيسان ١٩٦٢، وصل رتل الفوج إلى داخل المضيق، والذي كان يتكون من ٣٥ سيارة، خمس دبابات، مع خمس سيارات جيب خاصة بالضباط، بالإضافة إلى سيارتي بيك آب لحراسة قائد الفوج وأجهزة الاتصالات اللاسلكية، وعند وصولهم إلى نهاية المضيق، تعرض الرتل العسكري من الجانبين لإطلاق نار كثيف من قبل الپیشمرگة. أسفر الاشتباك عن مقتل وإصابة عدد من الضباط والجنود، من بينهم قائد الفوج العقيد محمد يحيى الذي أصيب بجراح، وقُتل مساعده المقدم نسيم تركماني. كما تم أُسر ستة ضباط و١٧٣ جندياً وضابط صف من قبل الپیشمرگة، وجُرح ٥٣ ضابطاً وجندياً، بالإضافة إلى ذلك، تمكن الپیشمرگة من الاستيلاء على جميع الأسلحة والذخائر والمركبات العسكرية والمعدات التابعة للفوج، والتي ذُكرت آنفاً. وفي المقابل، كانت خسائر الپیشمرگة ثلاثة شهداء هم ياسين ميروزي، صبري عبدي، وقادر إسماعيل حسن، بالإضافة إلى إصابة عدد من الپیشمرگة بجروح منهم محمد يوسف گراڤي ، إسماعيل هجر، فيضي عثمان، سليمان آسو، وغيرهم.

أحدثت تلك المعركة صدى واسعاً في الأوساط العسكرية والسياسية والشعبية. حتى أن رئيس أركان الجيش العراقي اللواء الركن أحمد صالح العبدي واجه صعوبة في إبلاغ عبد الكريم قاسم بالبرقية المتعلقة بالهزيمة، حيث تأخر في إيصالها لأكثر من ١٠ دقائق، وفي بغداد انتشرت شائعة في ذلك الوقت مفادها أن رئيس الأركان طلب من أحد الضباط وضع البرقية على مكتب رئيس الجمهورية، وقد أدى ذلك إلى انتشار خبر هذه الهزيمة المخزية على نطاق واسع في جميع أنحاء العراق، حتى أن المواطنين العراقيين سخروا من دعاية عبد الكريم قاسم الذي كان قد أعلن سابقاً عن قضائه على العصابات والقطاع! في الوقت نفسه، أدرك الجيش أن الحرب والقتال في كوردستان قد دخلا مرحلة جديدة وأن القضاء على الحركة الكوردية ليس بالأمر السهل، حتى أن القوى والأطراف السياسية العراقية أدركت أن استمرار الحرب في كوردستان سيلحق المزيد من الضرر بالعراق وستستمر المشكلات، باستثناء حزب البعث والقوميين العرب الذين لم يتغير موقفهم تجاه القضية الكوردية، حيث كانوا يروجون بأن تمرد الكورد مستمر بسبب مرونة عبد الكريم قاسم وعدم استخدامه العنف ضدهم، وبالتالي يمكن قمعه والقضاء عليه عن طريق القصف المكثف واستخدام قوة أكبر وعنف أشد ضدهم. وقد تبين بالفعل أن رد فعل الحكومة تمثل في إرسال المزيد من القوات والوحدات العسكرية إلى كوردستان، وفي الوقت نفسه بدأت حملة مطاردة واعتقالات واسعة النطاق للمدنيين والمتعاطفين وأنصار الثورة الكوردية في قضاء زاخو بتهمة دعم الثورة الكوردية، و تم الزج بهم في السجون دون وجود أي دليل أو شهود.


المصادر:

١- عبدالفتاح علي البوتاني، منطقة بادينان ١٩٢٥- ١٩٧٠، جلد ٢، (مطبعة جامعة صلاح الدين- اربيل- ٢٠١٧).

٢- محەمەد ساڵح پێندڕۆیی (جگەر سۆز)، ژیان و خەباتى شەهیدى فەرماندە عەبدوڕەحیم جەسیم بارزانى، بێ شوێنى چاپ، ٢٠٢٠.

٣- روژین چلبى منیر، زاخۆ ١٤ى تیرمەها ١٩٥٨ – ٦ى ئادار ١٩٧٥، سەنتەرێ زاخۆ بۆ ڤەکۆلینێن کوردى، زاخۆ، ٢٠١٨.

٤- شکیب عقراوی، سنوات المحنة في كردستان. اهم الحوادث السياسية والعسكرية في كردستان و العراق من ١٩٥٨ – ١٩٨٠، (مطبعة الثقافة- اربيل- ٢٠٠٧).


مقالات ذات صلة

معركة کوسپي سپي

عندما سيطرت قوات الپیشمرگة على قلعة (قشلة) رايات في ١٢ تموز ١٩٦٢، أصبحت منطقة بالكايتي بأكملها جزءاً من المنطقة المحررة لثورة أيلول، على الرغم من ظهور المسلحين المرتزقة من حين لآخر في عدة مناطق مختلفة، خاصة في الجبال المحيطة بجبل هلگورد، بنيّة إثارة الفوضى، إلا أنهم سرعان ما كانوا يتشتتون ويُبعدون عن المنطقة من قبل قوات الپیشمرگة.

مزيد من المعلومات

معركة كَردز وكَرزُور ١٩٦٩

وقعت هذه المعركة بين قوات سهل أربيل من الپیشمرگة والميليشيات العميلة للحكومة في أواخر ربيع عام ١٩٦٩ في قريتي كَردز وكَرزُور في سهل أربيل، تمكنت قوات الپیشمرگة في هذه المعركة من الانتصار على الميليشيات وإلحاقهم خسائر فادحة في الأرواح والمعدات وطردهم من المنطقة، مقابل خسائر طفيفة في صفوف قوات الپیشمرگة.

مزيد من المعلومات

معركة گوجار

في الوقت الذي تمكنت فيه الحكومة الإيرانية من السيطرة على جمهورية كوردستان مرة أخرى بشن هجوم عليها، كان الملا مصطفى بارزاني وقواته يحاولون النجاة بأنفسهم عبر الأراضي الإيرانية والعودة إلى مناطقهم في كوردستان العراق مرة أخرى...

مزيد من المعلومات

معركة سینگان

كانت معركة سینگان إحدى المعارك التي اندلعت بعد انهيار جمهورية كوردستان وتراجع بارزانيين إلى المناطق الحدودية بين دولتي إيران والعراق...

مزيد من المعلومات

معركة قرية مکلاوە

بعد وقوع معركتي قاراوه ومامشا بين قوات پیشمرگة جمهورية كوردستان والجيش الإيراني، نرى أن القوات الإيرانية اضطرت من أجل إعادة تنظيم قواتها في المنطقة ووضع خطة مناسبة...

مزيد من المعلومات